أغلب دول العالم تتابع النقد، خصوصا، إذا لم يكن نقدا سياسيا جارحا ومباشرا، لأن النقد السياسي يجلب لك اللعنات في الشرق المتوسط، فوق الكراهية وادعاء المظلومية من الذي تم انتقاده، فيما نقد الخدمات، يبدو أكثر احتمالا، لأنه يعبّر عن مشاكل، وليس اتجاهات سياسية.
كل الرأي العام في الأردن يتحدث عن نقطتين، ولا أحد يسمع، وكأننا نصرخ داخل بئر، لأن الموضة الدارجة الآن، تقول “دعهم يتحدثون ودعنا نفعل ما نريد”، في مشهد لا يؤشر على عمق المسؤول أيا كانت درجته، بقدر عجزه، وعدم قدرته على حل المشاكل، وتفكيك عقد الأزمات في هذه البلاد.
خذوا مثلا كل الرسائل التي يطلقها الأردنيون صباح مساء حول التوقيت الشتوي، ومهزلة خروج الطلبة والعتمة ما تزال طاغية، واستيقاظهم صباحا قبل ديوك عمّان وشقيقاتها، والذي يريد أن يوفر عدة ملايين من الدنانير في الطاقة، كان الأولى أن يوفرها في راحة أبناء هذا البلد، وصحة الصغار والكبار، بدلا من هذه الصحوة المبكرة، إلا إذا كان القصد هنا، حض المؤمنين على صلاة الفجر، والاستيقاظ في موعدها، ما دامت الصحوة في العتمة، مؤكدة، في كل الأحوال والظروف.
لا أحد يسمع، ولا أحد يستجيب، وكأننا سوف نشنق من يتراجع عن قرار خاطئ، وهذا قرار يشكو منه كل الأردنيين، ولا يعقل أن يكون كل هؤلاء على خطأ، وضلالة، وقلة وعي.
النقطة الثانية تتعلق بأزمات السيارات في عمّان، فهذه مدينة تختنق، وبات الخروج إلى شوارعها عقابا سوف يخفف عنا، عقاب الآخرة، لأن المعاناة تمحو الذنوب، بإذن الله، وأحيانا يحتاج مشوارك مثلا من جبل الحسين إلى الجبيهة، ساعتين، في أوقات الذورة، والاختناقات تمددت إلى الشوارع الفرعية التي اكتشفها قائدو السيارات، وهذا مشهد مريع لشعب عالق في أزمات السيارات، التي تزيد كل سنة بمقدار ثمانين ألف سيارة، فيما عدد سيارات المملكة يقترب من مليوني سيارة، وعدد السيارات في عمان يقترب من مليون ونصف، بما في ذلك السيارات التي تتدفق من المحافظات القريبة، وتحديدا مادبا، السلط، الزرقاء، وإربد، وغيرها.
عمّان عاصمة هذه البلاد، لم تعد عمّان الوادعة بجبالها السبعة فقط، فقد توسعت، ولم يبق متر أرض زراعية إلا وتم غرسه بالإسمنت، فوق زيادة عدد السكان وانتقال أبناء المحافظات إليها في نموذج تنموي فاشل، يثبت عجزنا عن تنمية المحافظات، ومع كل هذا أطنان الحديد التي نراها، وكثير منها يتعطل بسبب قدمه، بما يجعلنا نسوق وسط جهنم الحمراء، ولنتخيل لو احتاج مريض المرور إلى المستشفى، فلا طريق له، إلا إذا تم تحميله بالباص السريع.
لقد وصلنا إلى مرحلة لم نعد نطمع فيها بوظائف جديدة، ولا زيادات على الرواتب، وكل ما نريده أقل من حقوقنا، أي تلطيف الحياة علينا، بدلا من هذه المشقة اليومية، من الصحوة المبكرة، مرورا بأزمات السير القاتلة، وهي أزمات لم تعد مرتبطة بمجيء المغتربين، ردهم الله من غربتهم، بل باتت طقسا شتويا، يزيد انهمار المطر أو الضباب، من تعقيداته ومصاعبه، وصولا إلى المعاملات الحكومية البطيئة من عهد ما قبل الدولة، في كثير من الدوائر والمؤسسات ومشتقاتهما.
هذا تنازل مني ومن غيري، فلا طموحات لدينا اليوم، سوى تلطيف الحياة علينا، وهذا التلطيف ممكن لو كان هناك من يتحمل المسؤولية ويهز أكتافه ويتحرك لأجلنا، ويرى ببصيرته إنهاك الناس ومعاناتهم اليومية، بسبب قضايا كثيرة، يكمن حلها فقط في اجتماع من يهمّه الأمر من كل الجهات، وإعادة النظر في كل شيء، بالإمكانات المتوفرة، وبحلول مبتكرة، بدلا من هذه الحالة.
أنا أتحدى أن يكون هناك شخص واحد في الأردن، قادرا على إعطاء موعد ويلتزم به بالتمام والكمال، فإما يصل مبكرا، وإما يصل متأخرا، ولا أحد يجرؤ اليوم على الالتزام بموعدين أو أكثر، لأن عمان ذات مفاجآت، قد تضطرك في مناخ الشتاء أن تجمع صلاة الظهر والعصر في سيارتك.
العيش في عمان بات دفعة تحت الحساب من عقاب الآخرة.. هذه هي الخلاصة.
(الغد)