جلالة الملك يريد أن ينطلق بالوطن انطلاقة جديدة للأمام تعمل على تحديث العديد من شؤون الدولة السياسية والاقتصادية والإدارية وتبني على المنجزات الكبيرة التي تحققت خلال المائة عام الأولى من عمر الدولة.
وقد عبر جلالته عن رؤيته لهذا المشروع الذي وصفه بأنه يمثل «التحديث الوطني الشامل» كونه قد بني على رؤية مستقبلية تشمل العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والإدارية في الدولة على اعتبار أن تلك المسارات تشكل مجتمعةً وبشكل استراتيجي حجر الرحى في التغيير بالنظر إلى مقدار التغيير المتوقع أن تحدثه في المجتمع وعلى حياة المواطنين أثناء وبعد اكتمال مراحل التنفيذ.
لذا فقد خرجت مشاريع «تحديث المنظومة السياسية» و"رؤية التحديث الاقتصادي» و"تحديث القطاع العام» كمخرجات لعملية التحديث الوطني الشامل بتوافق وطني شارك فيه أطياف المجتمع المتنوعة من خلال اللجان التي جرى تشكيلها لهذه الغاية والتي خرجت بالعديد من الخطط والتوصيات والرؤى التي ترجمت بعضها إلى قوانين وتشريعات لازمة لانطلاق قطار التغيير والتحديث وفق متطلبات المصلحة العامة، انطلاقة تضمن توسيع المشاركة الشعبية في وضع السياسات والقرارات في إطار أحزاب برامجية بشكل يعمل على المشاركة في إحداث التغيير مقترنة برؤية تحديث الاقتصاد للعمل على تحفيزه وضمان نموه المستدام بشكل يعمل على خلق فرص عمل جديدة وتحسين حياة المواطنين مترافقاً مع برنامج عمل شامل لإحداث التغيير المطلوب في تطوير الإدارة العامة باعتبارها الرافعة الأساسية لنجاح منظومة «التحديث الوطني الشامل».
فالتغيير أو التحديث المطلوب أصبح قراراً استراتيجياً للدولة وأن تطبيقه لا يخضع لرغبة أو لمزاجية آخذين بعين الاعتبار التحديات المحلية والإقليمية وحتى العالمية وهنا يبرز عامل الوقت ودقته والتي أصبحت من أكبر التحديات التي تواجه التنفيذ.
فما هو التحديث المطلوب وما هي مظاهره وأدواته ونتائجه وفق ما هو متصور؟ سأترك الحديث عن منظومة التحديث السياسي والتي سبقني الكثيرون في الحديث عنها بشكل واسع وجلي ولأن شوطاً لا بأس به قد تم إنجازه من حيث التشريعات والإجراءات العملية والتي ما زالت تنتظر اكتمال مراحل تشكيل الأحزاب بالشكل المرضي والمطلوب وتقديم برامجها للناس والاشتراك معهم في شرح تلك البرامج وآلية تنفيذها والمفاضلة بينها وبين برامج الأحزاب الأخرى حيث أن المطلوب لا يزال كثيراً في هذا الجانب وبعض الجوانب الأخرى ولكنه قابل للإنجاز من خلال مشاركة كافة الأطراف المعنية بالنجاح.
إن بعض مظاهر التحديث المطلوب ونتائجه يجب أن تستهدف تحقيق حياة أفضل للمواطنين عبر زيادة النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة وزيادة تنافسية الاقتصاد وتحسين مستوى الرعاية الصحية وتحديث أدوات ومناهج التعليم ليواكب متطلبات العصر بحيث تصبح مخرجاته في خدمة الاقتصاد والدولة لا عبئاً عليها.
ومن مظاهر التحديث العامة أيضاً تحسين جودة الحياة للأفراد والمواطنين من حيث تأمين وسائل النقل العام الحديثة باعتبارها أحد الممكنات المهمة للاقتصاد والتخطيط الحضري والعمراني السليم.
كما أن أحد أهم مستهدفات التحديث الوطني الشامل تكمن في تبسيط الإجراءات على المواطنين والقضاء على الإجراءات الإدارية المعيقة للتطور وإدخال التكنولوجيا والخدمات المؤتمتة لكافة وزاراتنا ومؤسساتنا إضافة إلى تطبيق الاشتمال المالي بمعنى إتاحة وسائل الدفع الإلكتروني في كافة وزاراتنا ومؤسساتنا ومرافقنا العامة.
والمطلوب هنا سرعة إنجاز الخطط التنفيذية اللازمة لترجمة «رؤية التحديث الاقتصادي» و"خطة التطوير الإداري» إلى واقع ملموس وكذلك التأكد من أن وحدات المتابعة في كل من رئاسة الوزراء والديوان الملكي الهاشمي قد أخذت مكانها الصحيح بالمتابعة والتقييم وأن عملية تحديد الأهداف قد اكتملت وبأن المؤشرات القابلة للقياس قد تم إعدادها وضمن المدد الزمنية المحددة لتجري تلك العملية بشكل علمي مدروس على أن يرافقها إعداد التقارير الدورية المطلوبة بهدف التقييم المستمر.
ولضمان وصول أهداف الخطط للقائمين على تنفيذها من موظفي القطاع العام فلا بد من الإشارة إلى ضرورة شرح تلك الخطط وأهدافها وآلية تنفيذها للموظفين في المؤسسات والوزارات وبيان دور كل واحد منهم في التنفيذ وشرح الفائدة التي ستعود عليهم وعلى أُسرهم وعلى المجتمع بأكمله نتيجة لذلك وتحفيزهم للعمل وإعمال مبدأ المحاسبة في حال التقاعس أو عدم التنفيذ.
كما لا بد من الإِشارة إلى ضرورة إنجاز التخطيط الاستراتيجي لتحقيق أهداف التحديث مع التركيز على التشبيك بين المؤسسات المعنية في التحديث وبيان الدور الملقى على عاتق كل واحدة منها في تحقيق الأهداف وتحديد أماكن التقاطع لضمان نجاح الاستراتيجية مع ضرورة تخصيص التمويل اللازم لإنجازها من خلال اشراك القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي في سبيل تحقيق فرص التطوير والتحديث لبعض المشاريع وطرحها كفرصة استثمارية مع الحرص على ضرورة تحقيق الإنجاز ضمن المدد الزمنية المطلوبة.
وعلينا ألا نغفل أهمية تحديث التشريعات الخاصة بالقطاع العام وتطوير بعض هياكله والتحول بكافة الخدمات المقدمة إلى خدمات رقمية.
أن أحد مكونات خطة تحديث القطاع العام هو رسم السياسة وصنع القرار مما يعني النهوض بعملية التخطيط وآلية صنع القرار والأهم من ذلك كله هو إدارة الأداء واستمرارية التنفيذ مع التركيز على حسن التنفيذ وديمومة جودة الخدمات وعدم تباين الإجراءات بين أقسام الدوائر ذات الاختصاصات المتشابهة أو حتى بين الموظفين من نفس المؤسسة الرسمية ما يستوجب وبحسب ما أرى إعادة النظر في وحدات الرقابة الداخلية داخل تلك المؤسسات وتعزيز دورها وإعادة رسم أهدافها ووظائفها لضمان التنفيذ السليم لاستراتيجية التغيير والتحديث وضمان استمرارها.
ومن مظاهر التحديث أيضاً إمكانية وصول متلقي الخدمة في إطار إجراءات إدارية سلسة محددة سلفاً ولتحقيق المساواة بالمعاملة وتكافؤ الفرص وتحديد وسائل وأماكن تقديم الاعتراضات أو الملاحظات والشكاوى من قبل متلقي الخدمة على أي تجاوز في الصلاحيات أو التأخير داخل المؤسسات على أن تتوافر الإدارة المؤسسية لمراجعة تلك الشكاوى والملاحظات وتقييمها وتصويب الأخطاء أو التجاوزات بهدف تعزيز الثقة بالأداء الحكومي.
كما أن من عناصر التحديث اللازمة والضرورية في مجال تحديث القطاع العام التركيز على الثقافة المؤسسية والتي تعنى بتطوير الثقافة المؤسسية داخل المؤسسات بهدف دعم الإنتاج والتطوير والابتكار ما يعني تشجيع الأفكار الريادية داخل المؤسسات وتقديم كل ما يلزم من دعم وتحفيز للموظف القادر على الابتكار والتطوير داخل مؤسسته لضمان إنسيابية العمل وتبسيط الإجراءات وتعزيز الإجراءات التي تخدم متلقي الخدمة وبشكل يخدم المصلحة العامة وبما يخدم الاستثمار ويعززه.
ان عنوان مرحلة التحديث هو شباب الوطن وشاباته – كما أشار جلالة الملك أكثر من مرة–فهم القادرون على قيادة المرحلة القادمة من التطور والتغيير بما يملكون من عزم وتصميم وهم القادرون على تطوير مهاراتهم بما يلزم شريطة تقديم كل ما يمكن لتمكينهم للتقدم للفرص المطلوبة والمتاحة وحصولهم على الفرص القيادية في الوظائف العامة عن طريق تأهيلهم وانخراطهم ضمن برنامج الأمير حسين بن عبدلله للقيادات الحكومية الشابة (المسار السريع لإعداد القيادات) والهادف لتأهيل القيادات الحكومية الشابة خلال عام 2023 الوارد ضمن خطة تحديث القطاع ااعام.
إن من أهم عناصر نجاح التحديث الوطني الشامل هو أن تكون النتائج الكلية والمرحلية تتواءم ومستوى المطلوب والتوقعات.
(الراي)