مسجد بالعراء .. للترويج العقاري
حسين الرواشدة
28-11-2022 12:50 AM
لدينا اكثر من 7000 مسجد ، فهل نحتاج لبناء المزيد من المساجد ؟ الإجابة ،نعم ، لكن ليس في سياق خدمة الدين، أو حاجة عباد الله لإقامة الصلاة ، وإنما في سياق "البزنس " الديني ، فأسواق الدين لم تعد حكرا على بعض الذين استخدموه لأغراض سياسية ، ولا الآخرين الذين ركبوا موجته للشهرة "والبرستيج " الاجتماعي ، بناء المساجد ،للأسف ، أصبح أحيانا جزءا من هذه الأسواق العابرة للحدود والمصالح.
في منطقة تخلو من السكان داخل بلدنا، اكتشفت وزارة الأوقاف أن مسجدا قد تم بناؤه على قطعة أرض صغيرة ، وبعد التدقيق تبين أن الشخص الذي أشرف على بنائه لم يحصل على التراخيص اللازمة، لا من البلدية ،ولا من وزارة الأوقاف ، وحين سئل عن تكاليف المسجد من أين جمعها ، أجاب بأن شخصا من الخارج ارسل له الأموال.
القصة لم تنته هنا عند أموال دخلت تحت بند تمويل ،أو تبرعات ، ولم يجر الإفصاح عنها، أو تخضع للرقابة العامة ، ولم تنته، أيضا ، عند بند متعارف عليه لدى معظم الجمعيات الخيرية ،ينص على اقتطاع 20% من التبرعات للعاملين عليها، فقد نُصبت على بعد أمتار من المسجد "آرمة" إعلان عن بيع قطع من الأراضي لغايات الإسكان ، وبالتالي تم استخدام المسجد ك"مصيدة" للترويج العقاري، حيث جرى بناؤه بعد شراء مساحات واسعة من الأراضي بأسعار رخيصة ، ليجري بيعها ببركة المسجد بأضعاف مضاعفة .
كان مفهوما ،بالطبع، عدم السير بإجراءات الحصول على الترخيص ،لأن القوانين والأنظمة لا تسمح بذلك ،كان مفهوما ،أيضا، أن أسهل وسيلة للضغط على الوزارة، لانتزاع الترخيص منها ، هو استخدام السلطة الشعبية التي يمتلكها من أشرف على بناء المسجد وقد فعل ذلك بحجة الانتصار للمساجد ، لكن الوزارة رفضت ، كان لافتا، ثالثا، أن ما حدث ليس جديدا ، فهو جزء من عمليات استثمار متكررة ،يباشرها مجموعة من الأشخاص ،سواء في قطاع بيع الأراضي ،أو غيره .
سأتجاوز مسألة عدم الحاجة لبناء مساجد جديدة في بلد مزدحم بالمساجد ، وعدم الحاجة لبناء مسجد في منطقة نائية تخلو، تماما ،من السكان ، وعدم الحصول على التراخيص اللازمة قبل الشروع في البناء ، أشير فقط إلى قضيتين في السياق العام :
الأولى هي التحالف بين السياسي والديني ورجال الأعمال البزنس ، يعكس ذلك بوضوح احد المسلسلات الواقعية العربية (اسمه الريان ) ، حيث قام عدة اشخاص بتأسيس شركات لتوظيف الأموال في مصر نهاية السبعينيات ، الفكرة التي استندوا إليها هي إغراء المودعين بالادخار مقابل عمولة وصلت إلى نحو 40% ، وبموجب فتاوى حصلوا عليها باسم الدين ، جنوا أرباحا طائلة ، ثم انكشف المستور ، وإذا بهم مجموعة من النصابين.
القضية الثانية تتعلق بخطورة توظيف الدين في أي مجال ،سياسي ،أو اقتصادي، أو طبي ..الخ ، أولا ، لأن الذين يمارسون هذه المهمة يعتقدون أنهم يتحدثون باسم الله ، وبالتالي فهم أوصياء على غيرهم من البشر، وطهارتهم لا تسمح لهم بقبول أي نقد ،مهما كان ، وثانيا، لأن القبض على هؤلاء أو كشفهم بأية لحظه، سيضرّ بالدين ، وربما يدفع بعض المؤمنين بمشروعه الإنساني النبيل (خاصة من الشباب ) للهروب منه، تحت وطأة الخلط بين الدين ودعاته، أو المحسوبين عليه.
في القرآن الكريم ،وردت كلمة "المقت"، وهي أشد أنواع الكراهية ،لوصف حال الذين يقولون ما لا يفعلون ، فالله تعالى لا يحب هؤلاء ، ولا يزكيهم ، ويستنكر عليهم فعلتهم ،"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " صدق الله العظيم.
(الدستور)