أزمة الثقة بين الحكومة والإسلاميين
ايمن الصفدي
11-07-2007 03:00 AM
جبهة العمل الإسلامي هي الحزب الأكبر في المملكة. بل هي الحزب الوحيد الذي يملك بنية تنظيمية وقاعدة شعبية وقدرة على ترجمة الحضور المجتمعي تمثيلاً برلمانياً. تلك ميزة. لكنها أيضا عبء يفرض على الحزب أن يطور خطاباً عاماً يعكس رؤيته الاستراتيجية جزءاً من الدولة يعمل تحت دستورها وقانونها لا أن يدخل في زواريب المماحكات السياسية وتسجيل المواقف.
واضح أن في الحزب تيارين: واحدا منسجما مع إرث حركة الإخوان المسلمين المعتدل المستهدف تكريس علاقة تعايش وتفاهم مع النظام السياسي، وآخر جديدا متحررا من هذا الإرث ويندفع باتجاه فرض علاقة ندية معه انطلاقاً من اقتناع بإمكانية إحداث تغيرات في المشهد السياسي شبيهة بتلك التي حصلت في الإقليم.
وبرز الخطاب السياسي للتيار الجديد بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني (يناير) 2006. ارتفع صوت هذا التيار في وقت كانت فيه الحكومة قلقة من تبعات الفوز الساحق الذي حققته حماس. استعمل لغة غير معهودة في الخطاب الاسلامي الاردني. وتهيأت بعد ذاك بيئة مواجهة بين الحكومة وحزب جبهة العمل الاسلامي.
ووصل التوتر بين الحكومة والحركة الاسلامية، الذي كان قبل ذاك ضمن المساحة السياسية المتوقعة بين برنامجين مختلفين، حدوداً قد تكون غير مسبوقة. وهذا التوتر مرشح للارتفاع في ضوء تعمق الخلاف بين الحكومة والاسلاميين حول قضايا جوهرية أساسها علاقة الحركة مع حماس.
صعوبة احتواء التوتر تكمن في انعدام الثقة بين الحكومة والاسلاميين، خصوصاً التيار الذي تعتقد الحكومة انه مرتبط عقائدياً وتنظيمياً بحركة حماس. ولأن الحكومة تعتقد أن حماس باتت تدور في فلك النظام الإيراني الذي يتبع سياسة تدخلية في شؤون المنطقة، صار التخوف من ارتباط أعضاء في حزب جبهة العمل الاسلامي بحماس خوفاً من اختراق إيراني للساحة الاردنية عبر هؤلاء الأعضاء.
انقطع التواصل بين الحكومة والإخوان. وبات التصعيد المنحى الوحيد الذي تدفع نحوه المواقف. ولا شك ان الحكومة ارتكبت أخطاءً في إدارتها ملف الازمة مع الحركة الاسلامية. لكن الحركة الاسلامية ارتكبت أخطاء مماثلة. الحؤول دون تفاقم الخلاف يستدعي صراحة في طرح أسباب الخلاف ووضوحا في المعايير التي تحدد طبيعة العلاقة.
الاسلاميون يتهمون الحكومة باستهدافهم. يؤكدون أنها تنفذ مخططاً لفكفكة نفوذهم. يقولون إن السلطات تحاصرهم وتحرمهم حقهم في العمل السياسي الشعبي. وتذهب الحركة أيضاً الى اتهام الحكومة باتباع سبل غير قانونية لإضعاف فرصها في الانتخابات البلدية والنيابية.
الحكومة في المقابل تتهم الحركة الاسلامية، وتحديداً تياراً في جبهة العمل الاسلامي، بتقديم مصالح حماس على مصالح البلد وبالارتباط تنظيمياً بقيادات حماس في غزة ودمشق. ترفض الحكومة مواقف سياسية للحركة تقول إنها تدخل في باب المزايدات السياسية والتخوين. وتصر أن الحزب مخترق أيضاً من قبل عناصر في حماس تستهدف أمن البلد.
ثمة مصلحة للبلد في إنهاء الأزمة أو على الأقل احتوائها. لكن أي خطوات نحو إنهاء حال التصعيد يجب ان ترتكز الى التزام الدستور والقانون ثابتَين يشكلان المعيار الذي يحكم العلاقة بين الحركة الإسلامية والحكومة وتُقوّم على أساسه الاجراءات والممارسات.
للإسلاميين على الحكومة حق العمل بحرية حزباً سياسياً معارضاً. وللحكومة على الإسلاميين حق التزام القانون. وللبلد على الحكومة والحركة الاسلامية حق العمل من أجل تجذير الديمقراطية وتعميم ثقافة الانتماء الحقيقية.
أي حل لا يعالج جذور الأزمة لن يدوم. على الحكومة أن تلتزم القواعد الديمقراطية. وعلى الإسلاميين أن يكونوا حزباً أردنياً لا علاقة تنظيمية له بحماس أو غيرها. تهيئة الظروف التي تتيح ولوج آفاق الحل تستدعي أيضاً أن يستعيد القول السياسي لبعض قيادات الحركة الإسلامية عقلانية الخطاب التاريخي للحركة وأن يقاوم إغواء المزايدات والشعارات.