في حين أن بعض المُعلّقين على مباريات كأس العالم، وقبلها مباريات الدوري والكأس الوطنية والعربية والعالمية، ومباريات بطولات القارات وغيرها، أبدع أيّما إبداع؛ فإن البعض الآخر بحاجة لتطوير أدائه، حتى تتحقق المتعة والفائدة المرجوتين.
ومعظم الأداء المطلوب تطويره يتعلق بمهارات التواصل واستراتيجياته والتي تُشكّل العمود الفقري للتعليق، وأضحت من الضرورات في عالمنا المعاصر.
ومن باب تشخيص الإشكالات والإخفاقات في التعليق، نقول: إن المُعلّق الناجح هو الذي يتجنّب المُمارسات السلبية الآتية:
أولاً، التحدّث طوال الوقت دون توقّف، وكأنّ المطلوب منه تعبئة كل ثانية من وقت المباراة، مما يضطره للحشو والكلام الزائد عن الحاجة.
والأصل، كما يفعل العديد من المعلقين المحترفين، أن يتحدث عندما تكون هنالك ضرورة، ويتوقف عندما لا تكون، حتى يُتيح للمشاهد الاستمتاع بأجواء المباراة. نُذكّر هنا أن المشاهد مهتمٌ بالدرجة الأولى «بمشاهدة» المباراة، ومن هنا أتت تسمية «مُشاهد»، وليس بالاستماع لصوت المُعلّق. أما التعليق فهو مُكمّلٌ لأغراض مُحدّدة نذكرها لاحقاً.
ربّما كان على المُعلّق التحدث باستمرار لو كانت المباراة منقولة إذاعياً للمُستمع الذي لا يرى شيئاً، وهذا لا ينطبق على مُشاهد التلفاز الذي يرى كل شيء. ولعلّ التفريق هنا مُهمّ، بين المستمع والمشاهد، من أجل وقف الخَلط.
ثانياً، التحدّث بصوت عالٍ، وكأنّ المعلق في مهرجان خطابة حيّ، وكأننا نعيش في وقت ما قبل اختراع السّماعة.
الأصل أن يتحدث المُعلق بهدوء، تماماً كما يتحدث الواحد فينا في المواقف اليومية العادية، وكأنه يخاطب زميلاً له في مكان العمل أو يتحدث في حلقة نقاشية هادئة. ليس المطلوب من المعلّق أن يكون خطيباً؛ فالخطابة لها فنونها وأصولها. ولنتذكر أن مُشاهد التلفاز والمُستمع للإذاعة، لديهما القدرة الفنية من خلال الجهاز على رفع الصوت أو إخفاضه أو إخفائه.
ثالثاً، اللجوء للانفعال العاطفي، وكأنّ المُعلق لاعبٌ في المباراة وليس ناقلاً محترفاً أميناً لها؛ أو كأنّه مُشجّعٌ مُتعصّب لأحد الفريقين.
الأصل أن يتحلّى المُعلق بالاتزان في ردود أفعاله وبالحيادية والموضوعية في التعليق، وبالنُّضج الانفعالي، حتى لو كان الفريق يهمّه شخصياً أو وطنياً.
الانفعال في أي موقف تواصلي ليس سمة حميدة؛ والأصل تغليب الحكمة والعقل، وتصفير العواطف.
رابعاً، التحليق في الخيال وإقحام الكلام في غير موقعه. لعلّ السبب هنا ما ورد أعلاه، كون المعلق يعتقد أن عليه ملء كل ثانية في المباراة فيلجأ إلى الحشو الكلاميّ.
وهذا أمر غير مُحبّذ، فالأصل أن يكون التعليق مُعدّاً بعناية، وبأقل درجات الارتجال، ومبنيّاً على: أ) التحليل العلمي الدقيق لما يجري، ب) شرح المواقف التي تلتبس على المشاهد بحِرَفيّة، ج) إعطاء المعلومات والإحصائيات الدقيقة حول أداء اللاعبين والفريقين.
أما البدء بنسج قصص من الخيال، وضرب الأمثلة التي لا علاقة لها بما يجري، فهذا «إبداع» في غير محلّه، وإقحام غير محمود.
باختصار، المشاهد يريد تعليقاً مُحترفاً، لا تحليقاً مُتحرراً من كل أصول التواصل وقواعده.
أبدع البعضُ ويُشكر؛ والبعض بحاجة لتطوير أدائه.
(الراي)