facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الجيش .. يا دمعي وسوادَ عيني


وليد شنيكات
23-11-2022 08:58 PM

من قال إن الكتابة للجيش تستدعي استحضار المناسبة والتوقيت، وإقامة الطقوس والرمزيات حتى يتحرّر القلم وتنعتق الأفكار والمشاعر ويتشكّل البوح؟ وهل تستأذن الدموعُ العيونَ إذا حان أوانها، والشمس بعد مغيب إذا نهضت وطال غيابها؟ وهل يُسأل الطير عن شدوه والبحر عن زرقته؟ لا والله.

من قال إن الكتابة عن الجيش ليست فتحاً مبيناً ومهابة، أو تُطفئ ظمأً، أو تُحيي عاشقاً لاذ بعشق بلاده؟ كيف لا والماء إذا أصاب الأرض اليباب اهتزت وربت وأخرجت من كلّ شكل مختلفا ألوانه. إنه الجيش صاحب الرسم والرسالة، له الزمان على امتداده، والمكان على مدّ النظر، أو إذا خَطَر خاطر في النفس والخيال، فمنه هو وحده المبتدئ وإليه المنتهى.

في السّيرة والمسيرة للجيش الأردني كلامٌ كثيرٌ يُقال ويسطَّر في الذاكرة وله طعم آخر، تنهض معه ثنائية العِشق والوفاء اللذين يُطبعان في المخيلة كوشم يصعُب نزعُه أو يتغيّر رسمُه، وحقّ له علينا أن نصون عهده ووعده ما استطعنا سبيلاً. نعم، كم شهدنا -يشهد الله- أنكم الأوفى عهداً والأنقى سريرةً وضمير الأمة الحيّ ووجهها المشرق، هكذا خبرناكم عهداً من بعد عهد، في المئوية الأولى والثانية، سطّرتم أروع الصور في النُبل والإيثار وتقوى الله.

هو الجيش، ملء البصر والبصيرة، سماءٌ ثانيةٌ تستظلّ بسماء الله في العلو والشموخ والبهاء، تُغطّي وجه بلادي، وتزدهي بها وتزدهي عليها. له الطاعة والانقياد أول الأمر وآخره رهبةً ورغبةً، المقدّسُ المباركُ الطاهرُ النقيّ في كل شيء. هو التاريخ الذي تولد فيه البلاد ويحلم العباد، وتشرئب له الأعناق، وتنكسر أمامه العظمات العِظام.

وأنت تتحدّث عن الجيش، وما تجيش به الخواطر ويطرأ على البال، تخرج الكلمات طوعاً غير عَصيّة، حرّةً مستسلمةً، تنبعث كالنسيم العليل في الواحة الغنّاء. هم يتسلّلون في أرواحنا كالأغنيات وترانيم الهوى وابتهالات القدّيسين، وينشطون معاً كسنابل القمح أمام النسمات الناعسات في حقول الفلاحين وأصحاب الهِمم العالية.

من الشمال إلى الجنوب وعلى امتداد خريطة الشرف والكرامة متواجدون عزاً وفخراً ومهابةً، لَمْ تبخلوا أو تسخطوا يوماً، فأنتم نبض قلوبنا المُتعَبة والأعلون دوماً في التضحية والإباء والعنفوان، طبتم وطاب معشركم، رسمتم على وجه الوطن آيات الطُهر والكبرياء والشهامة. رأينا كيف ظهر الجيش في النازلات عضيداً ظهيراً لأشقائه وشقيقاته من المؤسسات والأجهزة في الدولة لمواجهة الجائحة، وهو حضور طالما شكّل السردية الوطنية الماجدة على اختلاف صيغها وتفرعاتها عسكرياً وإنسانياً وإدارياً، وكان أشد انغماساً في الهمّ الوطني المتجذِّر. وفي حربه ضد تُجّار الحدود الذين امتهنوا تهريب المخدرات ذهبت دماء شهداء كثر إلى بارئها زكيةً راضية مرضية.

دائماً يتبنّى فلسفة الانحياز المنضبط بأوسع معانيها وأشدّها حكمةً ووقاراً، خاصةً في المنعطفات المفصلية والمعادلات الصعبة والافتراضات الخاطئة التي يحتاج حَلُّها إلى عقل وهدوء ورويّة، بعيداً عن التجاذبات وسياسة المحاور التي تأكل غالباً من رصيد الوطن.

يحظى الجيش كما لم تحظَ أيّ مؤسسة وطنية أُخرى بهذه المكانة وهذا التأييد العابر للجماهيرية الاجتماعية، ولا أُبالع إن قلت إنه تأييدٌ مصحوب بالإيمان ومقرونٌ بالتبجيل الإعجازي الذي صنع ومازال أيقونة وطنية خالدة، تعتلي الجِباه المؤمنة الصابرة مع إشراقة كلّ صباح. كيف لا وهو الذي يسكن كل بيت من بيوتنا مثل خبزنا وعزنا، ألا يُطعم من جوع ويُؤمِّن من خوف؟.

إنه الجيش، ظلّي وظليلي، دمعُ عيني وسوادها المُقيم، داوى الجراح العابرة الحدود في الشمال، عندما ألَمَّ الخَطْبُ بالأشقاء، ذات ربيع كان أخضرَ لو لم تمتد إليه يد الغدر وسُرّاق الحرّية والحياة، ويُضمِّد جراح الروح الغائرة والأنفس المكلومة، وهو هو الذي يقطع يد كلّ معتدٍ أثيم على حدود البلاد وأمن العباد، وعلى عدوه ظاهراً لم يُولِّ يوماً دُبُراً، بل ظلّ متحيِّزاً متحرِّفاً للقتال من أجل الوطن الذي أبتُلي بالنار ولم يحترق.

شكّلت الوصايا العسكرية الثلاث "الله.. الوطن.. المليك"، الدستور الأسمى والخلاصة الخالصة بهذه المؤسسة الشامخة بما تحمله من أبعاد سامية في الحُب والولاء والانتماء، وعزّة النفس والروح والكرامة، لا ترضى بالضيم والخُنوع وتعكس أيضاً منهجيّة دينية ثقافية وطنية لها ما بعدها.

وإذا سألك أحدٌ عن الجيش فقل هو الفيء الذي نثوب إليه إذا اشتد هجير الشمس، والملاذُ الآمن المأمون إذا اشتدت العاصفة. ننام في ظله قريري العين هانئي البال، هو محراب الوطن الذي لا قِبلةَ قبله ولا بعده، في العطاء والتضحية، والصبر على المُلمّات. وأيُّ شهادةٍ أبلغ يمكن أن تزيد على تلك الصفات؟

هم أغنياتٌ ارتسمت على شفاه بنات العسكر وزوجاتهم الصابرات القابضات على جمر الحنين، وشيوخُ الدار الذين يلهجون بالدّعاء بعد كلّ صلاة. كان جدّي رحمه الله يفرد عباءته للصلاة ويدعو: "اللهم احمِ الوطن والجيش وأبوعبدالله". وأمي لها كلّ الرحمة والغفران كانت تُكفكف دموعها الغالية وتُتمتم: "اللهم احمِ الجيش من الظلام وعيال الحرام".

قالها الملك الحسين رحمه الله ذات يوم: "أيّها الشعبُ الوفيّ هنيئاً لكَ جيشك المظفّر". وقالها الملك عبدالله الثاني في خطاب العرش: "النّشامى، أُخاطبهم اليوم باسم الأردنيين جميعاً وأقول لهم، هذا عهدُنا بكم، أنتم الأصدقُ قولاً والأخلصُ عملاً". وهي والله شهادةٌ خالصةٌ بحقّهم ودعوة صادقة لغيرهم بصدق القول وإخلاص العمل. نعم، جيشنا له علينا جميعاً يدٌ بيضاء نحفظها له أبد الدّهر. ولَسوف يرضى.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :