نطقَ الحجر، وترنَّمَ الشجر والتفَ لفيف الإخاء من بني البشر، واشتعلت الأنوار، ورفرفت أعلامٌ وأعلام.. على تراب العراقة والأصالة، والتقدّم والحضارة.
فقد تجاوزت المحبّة المَدى، وانصقلت القلوب بحبّ النّدى، وارتقبت الأحرار اليوم يسطرون عنوانا للتقارب بين الإنسانية، فتحقق الحلُم الإنسانيُّ فيك يا قطَر.
فلا يمكن للقلم إلا أن ينسكبَ عِطرًا وهو يتكلم عن قطَر، تلك البلد العربيّ الأصيل، الذي سهر دؤوبا، وتعب أيامًا وسنوات، وهو يشقّ طريقه بعزيمة الأبطال، فارتحل إلى أعلى من جبال الهمالايا، وغاص في أعماق العالم الهادئ، وتحدّر بالهمة كشلالات نياغارا، وفاض بالخير كالنيل والفرات، فنحت جمالا كالبترا، واستخلص مونديالا لا ككل المونديالات، فليست الكرة وحدها كانت في الملعب، بل الكرة الأرضية كلها كانت هناك.
فقد انطلقت الرحلة مع الراحلة، وتكونت الفكرة مع الدرّ واللؤلؤ من خليج العرب، ومن ديار بكر وتغلِب، تغلبت قطْرُ الندى قطَر على كلّ الصعاب، فقطفت يانع الثمر، وأسعدت بني البشر.
واستطاعت قطر بمونديالها، أن تجلب للإبداع نموذجا ينبهر منه المبدعون، فلا الافتتاح الذي كان رسالة واحة عربية تفوح بعبق الماضي فحسب، بل إنها أعطت صورة عن أمَّةٍ بأكملها، فليس ثمّة استحواذ للصورة دون الإخوة والأشقاء والأصدقاء، فقد تجاوزت الصورة كلَّ مقامات التعبير والشرح والإيضاح، وبقيت الصورة الناصعة أجمل تعبير.
فمن خلال شاشات التلفزة التي كنت أقبع خلفها، شممت أريجَ الطّيبِ قرنفُلِ فكبلت بالوُدِّ مُذْ يراعته بمعقِلِ، سوى أنَّ القلبَ والسَّمْع كانا حاضرين هناك، في موقف مهيبٍ بدا لأول وهلة أنه حلُمٌ عربيٌّ جمع البوادي والحواضر، في حاضرةٍ تتسم بقمة الحضارة، وأبهى مراسيم النضارة.. ولا عجب.. فأنت في قطَر!!.
بدّأ المشهد باستقبال وحفوة وتكريم للقادة والمفكرين والإعلاميين والناس أجمعين، ثمّ بخطًى واثقة.. يقبلُ سموّ الأميرُ الشّابّ حمد بن تميم، يدَ والدِه بكلّ رغائب البرّ، وعجائب التواضع وسحائب المهابة.
ثمّ في قطر.. يكرّمون العربيّ الهاشميّ عن اليمين، الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ولسان الحال يسبق المقال، قائلا: "هذا مكانك يا عميد آل البيت الهاشميّ". وعن الشمال أخيه وليّ عهد المملكة العربية السعودية، سموّ الأمير محمد بن سلمان، ولسان الحال يقول: أرحبي يا جزيرة العربي أرحبي، وكلّ العرب والمسلمين أنا اليوم بكم أسعد وأرحب.
وكان القرآن والأذان يشنفان الآذان، في إبداع التقديم ورقّة النّسيم، وقمة الأداء وجمال الإنسانية بمصافحة القلوب، وتقارب الأفكار، وعرض التاريخ بين أعيننا في سويعة من الزمان، تحدثنا عن حضارة العرب، وعن حضارات القارات السبع، فنحن شركاء في الهواء، وشركاء في بثٍّ حيّ على الهواء مباشرة، فلماذا لا نكون شركاء في حلّ المشكلات، وطيّ الخلافات، وإنهاء النزاعات، ونبذ العنصرية، وإبعاد الخرافات والسخافات؟.
في قطر.. أصبح العالم في ملعب واحد!!، فلنتجاوز المحن والامتحانات وننجح في صناعة الحضارة سويّة.
يومها أعجبني.. أنّ كلّ دقيقة كانت اختصارا لكتاب، وكلّ تشكيلة وحركة هي للخير باب، تفتح ذراعيها ليقرأ الناس الثقافة العربية الإسلامية، التي أفرزت هذا الإبداع، بعيدا عن السفاسف والسعي وراء الانسلاخ عن الأصالة، فاليوم درسٌ لنا درَسَ أوهامًا عشعشت في أذهان الكثيرين.. اليوم يقينًا: يمكن أن نفعلها، فالأنموذج بيننا، حيث سموّ الأمير حمد بن تميم، بنى بلدًا نعتزّ به جميعا، وخدمَ أمةً فكان لها ذخرا وفخرًا، فقبّلتْ الإنسانية جبين الأمير، فقد قدّم لها الشيء الكثير.
ولا يمكن أن نبخس أنفسَنا ونحن نرى واحدًا من أمتنا، حقق الشيء الكثير لأمّتنا إلا ونحن نعضده وندعو له ونؤيد ونذكره بالخير.
ووما نزهو به ونفخر: الحضور الأردنيّ في جوانب متعددة شاركت بالفِكر والساعد والقلب والعين، فهم رجالات أبي الحسين، وهم على الرأس والعين.
(وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين).. ربي يحفظكم يا قطْر الندى قطَر، فقد أبليتم بلاء حسنا "ولا ضيّعَ اللهُ لكم تعبًا" ومن كلّ قلوب العرب والمسلمين ومن الأردنّ خصوصًا: ربي يحيي نْباكم.. ومبارك لكم على عدد بني البشر.. يا قطر.
agaweed1966@gmail.com