الطريق السالكة إلى عمان .. علاقات أردنية - عراقية واعدة
سامح المحاريق
23-11-2022 12:52 AM
للعراق وسوريا والسعودية أهمية كبيرة في الفكر السياسي الأردني، والعكس صحيح، ولذلك فالتوقعات عالية بشكل مستمر بين كل من الأردن وجيرانه، وأية احتكاكات أو تقلبات في العلاقات بين أي من البلدان العربية ذات الجوار المباشر تؤثر بشكل مباشر على الأردن، والوضع المثالي يكمن في وجود الحد الأدنى من التفاهم بين جيرانه وبعضهم، ولذلك فالخطوات الأردنية على المحورين العراقي والسوري تلقى اهتماماً عربياً واسعاً.
ما الذي يقوله التاريخ؟
تعرض الأردن إلى ضغوطات شتى من العراق وتركيا عند تأسيس حلف بغداد، وفي مقابلها، وضعت على طاولة عمان اتفاقية تجمعه بسوريا والسعودية، وأطلت مصر لتطلب أن تراجع المعروض على الأردن من الجانب البريطاني في تصرف وصائي لم يكن مكتفياً بتعهد الملك الحسين بعدم الإضرار بمصر في أي اتفاقية أردنية، وفي ربيع 1956، وبعد فترة وجيزة من تعريب الجيش الأردني أعلن الملك الحسين أن الأردن غير معني بسياسات الأحلاف ويتطلع إلى بناء علاقة إيجابية مع جميع الأطراف، حتى لو وصلت الخيارات إلى تجميد العلاقات أو تبريدها.
هذه القاعدة يمكن أن تحدد الرؤية الأردنية تجاه علاقاته الثنائية في المنطقة العربية، والمبادئ الحاكمة بشكل عام، ومهما ظهرت العلاقة مأزومة أو مضطربة فإعادة ترتيب الأوراق مع الأردن ليست بالمسألة المرهقة، وبجانب ذلك، فالطريق لترميم العلاقات العربية من خلال عمان مسألة ممكنة.
العلاقة مع الشقيقة العراق مرت بمرحلة مربكة استنزفت كثيراً من الوقت، فبعد سقوط بغداد في نيسان 2003 سادت حالة من الغموض والتنافس غير البناء في بغداد، وتزايدت المخاطر الأمنية التي أدت إلى تحفظ أردني واسع ورغبة في تعزيز الاستقرار داخل العراق بأي صورة ممكنة، إلا أن استعادة العراق على أرضية الشراكة مع الأردن كانت دونه تحديات.
العراق والأردن تبادلا موقع العمق الاستراتيجي لبعضهما، ففي الصراع العربي – الإسرائيلي كان العراقيون يمثلون ذلك العمق المطمئن للأردن، وفي الحرب العراقية – الإيرانية مثل الأردن بمساندته المتواصلة عمقاً للعراق أثناء اشتباكه في حرب طويلة وباهظة التكلفة، وعلى الدوام كانت العلاقات التجارية والثقافية قائمة ومزدهرة، وبغياب العراق القسري بعد الغزو الأميركي تحول العراق إلى إشكالية غير اعتيادية وغير مسبوقة على الساحة الأردنية وتشكلت مسافة صعبة ومؤثرة في ظرف اضطراري.
بقيت القاعدة قائمة، الطريق إلى عمان سالكة، هذا ما فهمه رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، وتكلل بإطلاق مشروع الشام الجديد مع مصر في خطوة لإعادة العراق لمكانته العربية وإدماجه في مشاريع المنطقة التي تتسارع على أكثر من مستوى وخاصة في الملفين الخليجي – السوري من خلال الإمارات والأردن، والمصري – التركي والذي شهد تجاوز الخطوة الأصعب بعد مصافحة السيسي – أردوغان في الدوحة مؤخراً، إلا أن الانتخابات العراقية الأخيرة ألقت بظلالها على الموقف الأردني بين تساؤلات مشروعة حول قدرة العراق على تجاوز ارتباكه الداخل? ليتمكن من إنهاء حالة الارتباك مع الأردن والدول العربية الأخرى، ولذلك أتت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، الأولى خارج بلاده، إلى عمان، وأتت الحفاوة الأردنية على الجانب الآخر من أجل العمل على تقييم اللحظة الراهنة.
حديث رئيس الوزراء العراقي أظهر أن بغداد استطاعت أخيراً الوقوف على أرضية ثوابت ومبادئ جديدة بعد فترة طويلة من الاستنزاف في صراعات البدائل السياسية، وأن تغيير هوية الحكومة لم يعد عائقاً كبيراً أمام بناء استراتيجيات طويلة المدى وتنويع الخيارات العراقية والدخول في ترتيبات الإقليم من خلال هوية مستقلة، تتعرض لضغوط هذا أمر طبيعي، ولكنها في النهاية يمكن أن تتقدم وأن تحقق التراكم المطلوب.
ما الذي يقوله المستقبل؟
لقاء رئيس الحكومة العراقية مع الملك عبد الله الثاني، وعناية الملك بالاستقبال يجعل اللقاء سياسياً بامتياز بما يتخطى الجانب التنفيذي، ويؤكد على منجزات الأردن مع حكومتي العراق السابقتين، وعلى أرضية هذا اللقاء والفطنة العراقية بأن تكون عمان المحطة الأولى لرئيس الحكومة العراقية يمكن التأسيس لاستئناف العمل المشترك سواء في ملفاته البينية الأردنية -–العراقية، أو الثلاثية مع مصر، أو العربية بشكل أوسع، وهذه أخبار جيدة للجميع تبعث على التفاؤل.
أردنياً، الوضع الجيد هو المحافظة على مسافة متقاربة من الجميع والابتعاد عن الاحتكاك والمناكفات، ولكن الوضع الأمثل، هو أن تصبح هذه المسافات متقاربة مع الأردن ومن خلاله، ولذلك، تبقى طريق عمان دائماً سالكة للقادمين من بغداد، وغيرها، ضمن ثوابت التأسيس في العلاقات العربية.
الرأي