النقاش حـول أولويات موازنة العام القادم من قبل لجان وزاريـة متعددة أدى إلى تأخير إعداد الموازنة. وإذا استمر التأخير ، فقد لا تكون الموازنة جاهزة لتقديمها إلى مجلس النواب في الموعد الدستوري ، أي قبل الأول من كانون الأول القادم.
أولويات الموازنة من وجهة نظر الوزراء ذوي العلاقة تختلف حسب مواقعهم ، فمن الطبيعي أن يرى كل وزير أولوية خاصة لمشاريع وزارته ، وسيحاول إثبات هذه الأولوية على حساب مشاريع وزارات أخرى.
تحديد الأولويات المالية ليس متروكاً لأصحاب المشاريع ، فكل منهم يرى الأمور من وجهة نظـر وزارته ، أما الصورة الكلية فلا تتوفـر إلا لوزير المالية ورئيس الوزراء ، وهما الجهـة التي من حقها وواجبها أن تحسم الأمور وتقرر الأولويات.
يبقى أن موضوع الأولويات يتعلق أساسـاً بالنفقات الرأسمالية أي تمويل المشاريع ، لأن النفقات الجارية تفرض نفسها إذا لم يتم التعامل معها جراحياً ، لكن النفقات الرأسمالية يجب أن تكون محدودة للغاية ، إذا كانت أولويتنا السيطرة على عجز الموازنة والدين العام.
في الموازنة الرأسمالية مشاريع ممولة من الجهات المانحة لا بد أن تسير قدماً ولها الأولوية ، خاصة وأن معظمها يدور حول المياه والطاقة. وفيما عدا ذلك فإن معظم المشاريع الأخرى قابلة للتأجيل ، خاصة إذا أريد للقطاع الخاص أن يقوم بدوره في البناء الرأسمالي وتحقيق النمو وخلق فرص العمل.
في ظل عجز الموازنة ، فإن كل مشروع رأسمالي غير ممول من الدول المانحة يشكل إضافة للعجز وبالتالي للمديونية. وإذا كانت الحكومة قد نجحت في تخفيض الإنفاق الرأسمالي هذه السـنة إلى حوالي النصف ، فما الذي يمنع من نجاحها في تخفيض الإنفاق الرأسمالي مرة أخرى في العام القادم.
أما النواب والجهات الأخرى التي سوف تضغـط على الحكومة وتطالبها بتنفيذ مشاريع معينة ، أو تقديم خدمات إضافية ، فإن عليها أن ترفق طلبها بتوضيح لمصدر التمويل.
في إعداد موازنات العام القادم يدخل العالم الصناعي مرحلة سميت بمرحلة التقشف ، حيث وصل الأمر حدا إلى تخفيض الرواتب وتمديد تاريخ التقاعد. ونحن بالتأكيد أولى منهم بسياسة تقشف مالي ُتعيد العجز والمديونية إلى الحدود الآمنة.
الراي