نتحدث عن حضوره .. فـي غيابه!!
د. محمد ابوهزيم
11-07-2007 03:00 AM
كان ذلك قبل حوالي شهرين تقريباً كنا في (العين) كما كان يسميها (سماحة الوالد كما كنا نطلق عليه) قال لي ارجو ان تكتب عني اذا مت انني كنت ادعو الى المحبة بين الناس.
فابتسمت وقلت له يا حاج بعد عمر طويل.. لكني سأكتب عنك وانت حي ان شاء الله.. هذه العبارات كانت مدار حديثنا ولكن على طريقة الحاج.
الآن ماذا اكتب وقد سبقنا القدر إليه أنكتب عن الحاج محمود سعيد الذي لم أره يوماً إلا مبتسماً مقبلاً على حب الحياة وحب الناس.
يعرف الاصدقاء والمقربون انني لازمت الراحل سنين طويلة فعرفت عنه الكثير، كان يتحدث في كل القضايا الوطنية والاجتماعية بمعلومات لا يعرف عنها احد وكم مرة طلبت منه ان يكتب مذكراته لما لديه من مخزون كبير من المعلومات والمواقف الوطنية، كان آخر لقائي معه قبل ساعات من وفاته وصدف ان كان ذلك في جريدة الرأي التي أحبها وأحب العاملين فيها، فقد كان يعرفهم ويعرفونه فرداً فرداً. يومها التقيته في مكتب الصديق عبدالله العتوم ودخن كثيراً كعادته وعندما نهض سأل عن (أبو عدي) عبدالوهاب زغيلات رئيس التحرير الذي لم يكن موجوداً في الرأي ساعتها فقد تعود ان يزور الرأي من مكتب رئيس التحرير الى طارق المومني ويوسف العبسي وسمير الحياري ليصل الى مركز الدراسات، فقد كان صديقاً للجميع يعرفونه بدماثة خلقه ودعواته الكثيرة لزيارته في (العين).
ها أنذا اكتب عنك يا حاج، لكن ماذا أقول، وقد عرفت منك الوفاء لكل اصدقائك ومعارفك. لم اسمعك يوماً تسيء إلى أيّ انسان، كيفما كان الموقف، يشهد الله انك كنت حصة الغائب لكل معارفك ومحبيك.
تقاليد كثيرة مارسها تحولت الى طقوس والمستهدفون أصدقاء كثر لا نستطيع تعداد مزاياهم. كان صامتاً وعندما يتحدث يقول بكيت يوم سقوط القدس. الحاج أمين الحسيني كان رفيق دربه في النضال من أجل فلسطين وعندما نمارس عليه الضغوط والابتزاز كنا نقول له (برحمة زكي وهو شقيقه الذي يعشق. وقد اطلق هذا الاسم على احد ابنائه. وعندما يقسم صادقاً يقول (ورحمة زكي).
العين كانت مهوى الفؤاد وذكرياته مع الراحل العظيم الملك الحسين بن طلال كثيرة وكان يناديه (يا أستاذ) بدون اسمه تيمناً بمدرسة البر بأبناء الشهداء وكان سيدنا رحمه الله يزور هذه المدرسة مراراً تكريماً للشهداء وأبناء الشهداء. أحب الأردن، وكان يقول للصحفيين بقدر ما تحبون هذا الوطن سيحبكم.
استضافه صديق في لندن لمدة شهر وعندما عاد الى مطار الملكة علياء استقبلناه وتوجهنا الى العين فسأل عن أحوالنا وهل التقينا في غيبته فقلنا له كنا نتحدث عن حضورك في غيابك فقال.. والله لو اغادر هذه الحياة لـ (فودستم) مثل طلاب المدارس!!.
كان عنوان (لم شملنا) والوحيد الذي لا نجرؤ ان نعتذر عن الحضور الى العين اذا امر بذلك. اطياف ومشارب ورؤى والمحاور متفاوتة تجتمع كلها في معيته.
سماحة الوالد.. لقد وعدتك ان اكتب عنك في حياتك واخلفت وعدي وسبقنا القدر، واليوم كتبت عنك في مماتك وشهود لحظات حياتك الأخيرة قالوا لنا مجتمعين انك غادرتنا واقفاً مثل الخيول الأصايل دون مرض او ألم واسلمت الروح الى باريها رحمك الله تعالى وادخلك فسيح جناته.