هل تتجه الحركة الإسلامية إلى العصيان؟
حلمي الأسمر
11-07-2007 03:00 AM
فاجأني الدكتور عبداللطيف عربيات، وهو أحد الوجوه الإسلامية البارزة في الأردن، وأنا أسأله عن سر منع محافظة العاصمة الأردنية لعمان مؤتمرا خاصا بجمعية العفاف، فاجأني بحجم غضبه وانفعاله وهو الرجل الهادئ الذي يُضرب به المثل في الاعتدال، ويُستحضر دائما للدلالة على وسطية الإخوان المسلمين في الأردن، وحين علمت منه عن كنه المؤتمر زالت المفاجأة، وانتقل شعوري بالمفاجأة من استغراب غضبه إلى سبب المنع، وانصرف ذهني إلى عشرات المؤتمرات والاجتماعات التي تنظمها مؤسسات المجتمع المدني دون أن تطلب إذنا من المحافظ، كون مثل هذه النشاطات لها صفة علمية فنية محضة، ويبدو أن طلب الإذن كان حافزا - ضمن حوافز أخرى طبعا- على منع النشاط، ويبدو أيضا أن ثمة خللا ما وقع أو ربما سوء فهم، أسهم في إحباط عقد المؤتمر!المؤتمر كان بعنوان ‘’الأسرة.. حصن للقيم والهوية’’، وكان مقررا عقده يوم السبت على مدى يومين، وكان من المقرر أن يشارك في المؤتمر ممثلون عن وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للإعلام ودائرة قاضي القضاة والمجلس الوطني لشؤون الأسرة ومجلس النواب، قرار المنع وصل الجمعية بكتاب من محافظ العاصمة بالوكالة خالد العرموطي يوم الخميس الماضي، بعد أن تم تجهيز كل شيء للمؤتمر، بعض المدعويين جاءوا من خارج الأردن، بحوث أعدت، وكلمات كُتبت لتلقى في حفل افتتاح موؤد، وحجز وجبات غداء وربما عشاء على ‘’هامش’’ المؤتمر، وكل هذا تبخر في رسالة صغيرة غير مبررة!
هذا ليس أول نشاط له طابع إسلامي يُمنع، فقد اعتدنا على هذا المنع في الآونة الأخيرة، وآخر منع أتذكرة ‘’إحباط’’ محاولة إقامة احتفالية عن روح المرحوم محمد عبد الرحمن خليفة، تقدم بطلب إقامتها ابنه الدكتور ماجد وجماعة الإخوان المسلمين، وربما ‘’يتفهم’’ المرء منع نشاطات ذات طابع ‘’سياسي’’ ولو من بعيد، لكن منع مؤتمر عن الأسرة كحصن للقيم والهوية يثير في النفس شؤونا وشجونا شتى، حاولت في حواري مع الدكتور عربيات معرفة السبب وما إذا كان له علاقة بالموقف الرسمي من الإسلاميين عموما، وهنا فقد الدكتور عربيات هدوءه المعتاد، وسألني بحدة: من هو الذي يستطيع أن يقف في وجه عبد اللطيف عربيات ويسأله ماذا قدم لبلده؟ كأن الدكتور أراد أن يقول: من يمكنه التشكيك بي وبمواقفي وبحبي لبلدي؟ وانفجر قائلا بغضب: إن لم تعقد جمعية العفاف مؤتمرا عن الأسرة، وهو من صلب عملها، فبماذا تشتغل؟ أكثر من ذلك، قال لي
أن قرار منع الموتمر يشكل إساءة بالغة للبلد ولكل تاريخه، وهو سابقة خطيرة وغير مسببة، خصوصا وأن الموضوع يتعلق بالأسرة والقيم، وتمت دعوة أشخاص من الخارج والداخل لحضوره وتم الرفض على عقده الخميس فيما كان مقررا انطلاقه السبت، وحمل ‘’جهة إصدار القرار مسؤولية الضرر المادي والمعنوي عن ذلك’’ قائلا: هذه بلدنا ونحن أهلها، وقال أيضا بمنتهى الانفعال أن مثل هذه القرارات هي التي تصنع ‘’الإرهاب’’!!
حاولت لاستيضاح الموقف الاتصال بمحافظ العاصمة فقيل لي إنه يجاز من عمله، وحين حاولت الاتصال بنائبه كان خارج مكتبه، وقيل لنا إنه سيتصل ‘’حين يعود’’ إلى المحافظة، إلا أنه لم يتصل!
حين أغلقت الخط مع الدكتور عربيات، تقاطرت إلى ذهني ما يقوله عدد من القيادات الإسلامية عن ‘’استهداف’’ للحركة الإسلامية، وتساءلت: هل وصلت ‘’الحملة’’ إلى جمعية العفاف؟ خصوصا أنها واحدة من الجمعيات التي تنادت لتأسيسها شخصيات معروفة بانتمائها للحركة الإسلامية، بعد أن تم ‘’سحب’’ جمعية المركز الإسلامي وجامعة الزرقاء من تحت يد الإخوان المسلمين، وبمناسبة الحديث عن الجمعية، جمعني هذا الصباح لقاء مع الرئيس السابق ‘’المكلف’’ بإدارة الجمعية، والذي سُحب منه هذا التكليف فيما بعد، وهو بسام العموش، وقد حاولت أن أستوضح منه عن سبب التكليف ومن ثم سحب هذا التكليف، ففهمت منه أنه لم يجد خلال استلامه مهام إدارة الجمعية ما يدل على فساد، وحين طلب منه إدخال مائة عضو جديد للجمعية رفض لأنهم غير متجانسين ولا يمتلكون الشروط الواجب توفرها في أعضاء جمعية خيرية كهذه، علما أنه قبل إدخال نحو مائتين وخمسين من الشخصيات للجمعية كونهم يشكلون إضافة نوعية لها، خاصة وزنها مسؤولة عن كفالة نحو اثني عشر ألف يتيم، فيما تكفل وزارة التنمية نو أربعة آلاف فقط، وحسب العموش فإن المحسنين الأردنيين الذين يمولون نشاط الجمعية من الممكن أن ينفضوا عنها إن أحسوا أن عملها تحول إلى غايات أخرى، الأمر الذي يهدد مصير اثني عشر ألف يتيم، الحديث عن الجمعية يبدو مقحما على نحو أو آخر، ولكن المرء يقف حائرا أمام فلسفة الحكومة في التعامل مع الأشياء، ويجتهد الكاتب الصحافي في استبطان كنه هذه الفلسفة فتعييه الحيلة، ومن هذا أيضا طريقة تعامل الحكومة مع ملف الأسرى الأربعة، وأحجامها عن الإعلان عن طبيعة الاتفاق الذي أبرمته مع الحكومة الإسرائيلية، التي قالت لـ ‘’شعبها’’ إن هذا الاتفاق يتضمن العفو عن الأربعة بعد سجنهم في الأردن مدة سنة ونصف السنة، وقد سمعت هذه المعلومة من الإذاعة الإسرائيلية، وحين استوضحت من مسؤولينا عن صحتها أكدوها، ولكنهم قالوا لا تنشرها بأسمائنا، وحجتهم في ذلك أن نشرها يمكن أن يؤثر على قرار المحكمة العليا في إسرائيل التي تنظر في التماس وقف صفقة ‘’تحرير’’ الأسرى، وحين قلت إن المعلومة نشرت في الصحافة الإسرائيلية وقضاة المحكمة يعرفونها من صحافتهم، لم أسمع تبريرا مقنعا، والشاهد في هذه القصة أن نشر مثل هذه المعلومة يحسن موقف حكومتنا ويرد على الألسنة التي تقول إننا سنسجن ‘’مناضلينا’’ سجنا مؤبدا لصالح إسرائيل، فلم يتم التحفظ عليها، ومن صاحب القرار في ‘’خذلان’’ الحكومة وحرمانها من إيضاح حقيقة موقفها؟ ومن يشوه موقفها، ومن صاحب القرار في اتخاذ قرارات لا تنسجم مع مصلحتها؟
وعودة إلى قصة العفاف، وسلسلة القرارات الخاصة بحملة تهميش وتحجيم الإسلاميين، ومنع أنشطتهم، فقد سألني أحد الصحافيين عن النتائج المتوقعة من هذا التهميش، وما إذا كان ينسجم مع مصلحة البلد، فحرت بما أجيب، فالحركة الإسلامية الأردنية حركة غير مؤذية للنظام إطلاقا، والتاريخ شاهد على هذا، وإخراجها من تحت عباءته سيكون له نتائج وخيمة، تدفع شخصية معتدلة جدا مثل عبد اللطيف عربيات إلى الخروج عن طبعه الهادئ، ويقول إن هناك من يصنع ‘’الإرهاب’’ ويشجع على التطرف، فهل هذا ما نسعى إليه؟ إضعاف الاعتدال وصناعة المتطرفين؟ ألم نسأل أنفسنا عن المصير الذي ستؤول إليه الأوضاع في الحركة الإسلامية حين نقضي على المعتدلين و’’نكافحهم’’ ونستعديهم؟
لنتذكر هنا أن المنع إياه شمل حظر اعتصام كان ينوي حزب جبهة العمل الإسلامي تنظيمه احتجاجا على استمرار اعتقال عدد من أعضائه، وهو ما دفع الحزب لتنظيم الاعتصام أمام مقره ضاربا عرض الحائط بالترخيص، مراقبون سـألوا بعد الحادث: هل هي بداية تفكير في انتهاج الإسلاميين الأردنيين أسلوب العصيان المدني، إذا استمر منعهم من التعبير عن أنفسهم وفق القانون المرعي؟
لقد مللت شخصيا من المناداة بمحاولة استيعاب الإسلاميين والتعامل معهم على قاعدة مشاركتهم وليس السيطرة عليهم وتسييرهم وفق هذا الاجتهاد أو ذاك، ويبدو أن الغلبة لتيار التهميش والقهر، ولا فائدة ترتجى من صوت العقل هنا، والأسوأ هو ما سيحصل إن استمرت سياسة القسوة والخشونة تجاه تيار راشد عاقل، يُراد له أن يخرج عن طبعه، كما خرج عربيات من هدوئه المعتاد!.
للتحاور مع الكاتب: : al-asmar@maktoob.com