العجلوني والحرب ضد السكري
د. محمد رسول الطراونة
21-11-2022 12:24 AM
تتنوع الحروب التي تشن ضد الشعوب، وإذا كنا في الأردن والحمد لله لا نخوض حرباً بالمعنى التقليدي فإن لدينا ما هو أخطر من أي حرب وما هو أسوأ من كل الحروب، لا يميز بين غني وفقير و صغير وكبير إنه داء السكري، الحرب ضد السكري، التي أماط البروفوسور كامل العجلوني اللثام عنها في العام 1994، عندما توجهت في صباح يوم باكر وبأوامر منه فرق طبية إلى كل من المزار الجنوبي والصريح وصخرة لأخذ عينات من السكان، وذلك في إطار دراسة كانت الأولى من نوعها،هدفت إلى رصد واقع مرض السكري في الأردن، الدراسة التي كانت بمثابة الرصاصة الأولى والتي أطلقت في الحرب ضد السكري، ليجد الرجل نفسه أمام وباء شرس حيث كشفت الدراسة أنذاك أن 25 في المئة من الأردنيين ممن تجاوزوا الخامسة والعشرين يعانون من السكري والسكري الكامن، حرب خاضها البروفوسور في أغلب الاوقات منفردا، إذ كان عليه أن يجتاز حواجز ومتاريس عديدة لعل أبرزها و أصعبها نقص الوعي حول المرض، حرب هددت وما زالت تهدد وبكل هدوء بنية البلد بأكمله، حرب تحصد يومياً أرواح ما لا يقل عن مئة وخمسين أردنيا بسبب السكري ومضاعفاته التي تشمل الذبحات القلبية والجلطات الدماغية والفشل الكلوي وغيرها.
واليوم، ونحن نعيش أجواء احتفالات الاردن مع بقية بلدان العالم باليوم العالمي للسكري والذي يصادف في الرابع عشر من تشرين الثاني من كل عام، نؤكد بأن الحرب ضد السكري ما زالت حامية الوطيس وما زلنا نواجه شبح تعاظم وتفاقم وباء السكري، حيث وصلت نسبة المصابين بالسكري الكامن والسكري في الأردن 45% ونسبة المصابين بزيادة الوزن والسمنة 78%، وما زال السكري السبب الرئيسي للإصابة بالعمى والسبب لثلث السكتات الدماغية وتقريبا نصف النوبات القلبية و نصف حالات الفشل الكلوي التي تتطلب غسيل كلى، بالإضافة إلى 70% من حالات بتر الساق والقدم، اليست هذه بحرب؟.
للأسف، من المتوقع أن تزداد–وعلى نحو مضطرد–أعداد مرضى السكري في الأردن، الامر الذي سيرهق نظام الرعاية الصحية المثقل أصلا نتيجة تفاقم النفقات العلاجية للامراض المزمنة (غير السارية) ومضاعفاتها، وإذا لم يتم تنفيذ تدخلات مجتمعية واسعة النطاق، سينفق الأردن ربع موازنته العامة على مرضى السكري.
من هنا تأتي أهمية نشر الوعي حول مفهوم مرحلة ما قبل السكري وضرورة اكتشاف عوامل الخطر بشكل مبكر للحدّ من تطوّرها للسكري من النوع الثاني، كما ويساعد الالتزام بالاجراءات الوقائية كممارسة الرياضة بانتظام واتباع نظام غذائي متوازن والمتابعة الدورية مع الطبيب الذي قد يوصي ببدء العلاج إذا دعت الحاجة في تأخير أو تفادي تطور الحالة.
تجدر الاشارة أن الامر يتطلب من الجميع التركيز على أساسيات ومبادئ الصحة العامة واتباع أنماط الحياة الصحية لوقف تفاقم أعباء السكري، بالاضافة الى تغيير مسار معدلات انتشار المرض نحو الأحسن من خلال نهج الوقاية الفردية والمجتمعية على السواء، ويتعين علينا بذل الجهد اللازم لتقليل معدلات السمنة للحيلولة دون حدوث إصابات جديدة بهذا المرض المزمن حيث أن ثلثي حالات السكري في الأردن تُعزى إلى السمنة، وإلا قد ياتي يوم لن نتمكن فيه من تحمّل الكلفة الهائلة للتصدي لهذا الوباء.
سيسجل التاريخ أن البروفوسور العجلوني خلال العقود الثلاثة الماضية استطاع فعلاً إحداث فرق في وعي المواطنين، وأنه تمكن من وضع السكري ومخاطره على طاولة معظم الأردنيين، وجعله مادة لأحاديثهم اليومية، الأمر الذي لم يحدث مع أي مرض آخر، فهو صاحب مقولة » كل أردني تجاوز الثلاثين من عمره فهو مصاب بالسكري ما لم يثبت العكس» حيث ارتبط الاثنان » العجلوني والسكري » في أذهان الكثير من الاردنيين فإذا ذكر الأول ذكر الثاني، وإذا ذكر الثاني تداعت إلى الأذهان صورة الأول الصارمة التي لا تهادن خاصة اذا كان الامر يتعلق بالسكري والسمنة والكرش.
بالرغم من كل الجهود المبذولة، يشير البروفوسور العجلوني بأسى إلى نتائج الدراسات الحديثة التي بيّنت ارتفاع نسب الاصابة بالسكري ويصفها بـ» المفجعة »، أتفق تماما مع ما ذهب اليه، بأن الامر يعود إلى غياب إستراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع (المعركة) ضد المرض، استراتيجية قابلة للتنفيذ وعابرة للحكومات، فالوضع أكثر من كارثي و الوجه الاخر للكارثة أنّ قيمة الكلفة المباشرة وغير المباشرة لعلاج مرضى السكري تقدر بمليار دينار أردني سنويا، ويمكن تخفيض هذه الفاتورة بشكل كبير فيما لو تبنت الدولة نهج الوقاية من المرض من خلال اتخاذ إجراءات بسيطة منها على سبيل المثال لا الحصر، تشجيع الناس على المشي بعد إخلاء الأرصفة التي احتلتها الأشجار والسيارات وبسطات البائعين، ومنع المقاصف المدرسية من بيع السكاكر والمشروبات الغازية والعصائر المصنّعة للأطفال واجراءات اخرى.
خلاصة القول، أحذر من ترك البروفوسور يخوض الحرب ضد السكري وحده، فمن معرفتي به ومرافقتي له في إحدى حملات التوعية التي شنها ضد السكري انه لا يكل ولا يمل من محاربة السكري فهي » قضية حياته »، إلا أنه بحاجة إلى الدعم بكافة أشكاله » فنفس الرجال يحيي الرجال»، حيث سيبدأ البروفوسور العجلوني بنشر قواته المضادة للسكري في إقليم الجنوب وإقليم الشمال بعد الاعلان عن تأسيس مراكز للسكري تقدم خدمات شاملة ومتكاملة لمرضى السكري.
(الراي)