لا توجد مناسبة في هذا الزمن المعاصر يهتم بها العالم وبكل فئات سكانه العمرية ومستوياتهم الثقافية مثل بطولة كأس العالم التي تُجرى كل اربع سنوات، ولا توجد بطولة لكاس العام التي انطلقت لاول مرة عام 1930 في الاوراغوي طاردها الجدل والتجاذب باشكاله الفنية والسياسية مثل هذه البطولة التى تنظمها ولاول مرة في تاريخ كرة القدم دولة عربية هي الشقيقة قطر، ولربما لهذا السبب انطلقت ومن اللحظة الاولى لاعلان فوز قطر باستضافة البطولة قبل 12 عاما حملات التشويه والتشكيك بقدرات الدوحة على تنظيمها وانجاحها، ودواعي هذه الحملات متعددة ولكنها في الاغلب تحمل العداء للعرب كأمة وللاسلام كدين، وقد تبرعت اقلام كثيرة في اوروبا واميركا بالقول ومبكرا ان العرب عاجزون عن احراز النجاح وتحديدا في تنظيم بطولة مثل هذه البطولة التي تشكل على مدى 29 يوما ما يمكن ان يجعل من الدوحة عاصمة الارض وساعة العالم ونبضه اليومي، هذا العالم الذي بدا مع انطلاق البطولة أمس الاحد بالحركة على وقع انفاس اللاعبين وصافرات حكامها واهازيج المشجعين في ملاعبها وصخب اصواتهم واحتفالاتهم، وحتى حركات الناس وتحركاتهم في معظم انحاء العالم ستنتظم وفقا لاجندة المباريات وتوقيت الدوحة.
لقد شكل اقتناص هذه البطولة انتصارا حضاريا تاريخيا للعرب وللعروبة، وكنت من بين الذي قالوا ومبكرا في عدة لقاءات متلفزة «علينا وأد خلافاتنا ونسيان الضغائن بيننا، فالدوحة جلبت لنا صيدا ثمينا, منصة قد لا تتكرر نستطيع نحن العرب ان نقدم من خلالها وجهنا الحضاري وارثنا الانساني، انها فرصة لا تقدر بثمن».
وعلى مدى سنوات تابعنا كيف كانت الحملات القاسية تطارد قطر والتشكيك بقدرتها على تنظيم البطولة لوجستيا وقيميا، بدء من طرح قضايا العمالة الاسيوية وحقوقها، مرورا بطرح حقوق المشجعين القادمين للدوحة في تدخين الماريجوانا والحشيش وشرب الكحول دون قيود، واخيرا كانت «اسطوانة حقوق المثليين والشواذ» ورفع اعلامهم في الملاعب وما حادثة الطائرة الالمانية التي وصلت الدوحة السبت الماضي وتقل المنتخب الالماني والتي تحمل صورا لشواذ وعليها علمهم والتي اصرت الدوحة على عدم استقبالها لدليل قاطع على ان التحرش بالدوحة لم تنته فصوله بعد.
في خضم هذا الصخب وفي مبادرات ابداعية لبعض النشطاء على السوشيل ميديا وفي رد على دعوات رفع اعلام المثليين او علم اوكرانيا خلال فعاليات كاس العالم، بادر اليوتيوبر السعودي عبد العزيز التميمي الملقب «بباور كمستكا» الى توزيع اعلام فلسطين والكوفية الفلسطينية على الجماهير التي وصلت الدوحة لمتابعة البطولة، واظهرت مقاطع فيديو له نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي يرفض فيها بيع العلم الفلسطيني بل يقدمه بالمجان، ويقول (بخلي قطر كلها فلسطين) يقصد بوضع الكوفية على الاكتاف ورفع العلم الفلسطيني.
رفع العلم الفلسطيني والغناء لفلسطين ولبطولات شعبها في مدرجات البطولة التي يتابعها العالم كله ليست مسألة رمزية عابرة بل هي قيمة مضافة نوعية للتعريف بالقضية ولتضييق الخناق اعلاميا ونفسيا ومعنويا على الاحتلال ودعايته في وقت يستمر فيه «غوبلز القرن الحادي والعشرين بنيامين نتنياهو» بأكبر حملة كذب وتضليل للعالم، وفي الوقت الذي يخوض فيه احرار الامة وابطالها في فلسطين حربا يومية بالسلاح والحجارة والاجسام العارية ضد الاحتلال، حيث سيشكل المشهدان في فلسطين والدوحة «لوحة من التناغم قل نظيرها في العقود الثلاثة الاخيرة ساقدح في عقل العالم الغربي المتجمد او المتبلد الاسئلة البديهية حيال عدالة القضية، وسيربط بالضرورة هذا العقل الغربي ما بين العلم المرفوع في الدوحة والعلم المرفوع في فلسطين وستصله الرسالة بانصع صورها.
(الراي)