مهما كانت أوجه القصور أو الثغرات في مسار الدولة الأردنية فإنها بعد قرن من التأسيس امتلكت بنية وجوهرا ومؤسسات وتفاصيل ليس من السهل تغييرها وليس من المصلحة تغييرها لأن هذه البنية حتى وان كانت تحتاج إلى معالجة الاختلالات إلا أنها تعبر عن هوية الدولة وتحفظ عليها استقرارها.
البعض يتمنى ان تذهب الدولة إلى تغييرات في بنيتها السياسية بحيث تنعكس على موازين القوى الاجتماعية والوطنية، ومنذ عقود هنالك من يطرق على جسد الدولة بأسماء حركية عديدة من النوع المطلوب دوليا لعل التغيير يحدث ويتم التسلل إلى موازين قوى جديدة في الدولة وطنيا واجتماعيا بهذه الأسماء الحركية.
الدولة أخذت خطوة في مجال التحديث السياسي على شكل تعديلات دستورية وقوانين للاحزاب والانتخاب، والهدف المعلن حكومات حزبية بالتدريج بعد ثلاثة انتخابات برلمانية، وهي فكرة إيجابية حتى وان كان التنفيذ على الأرض فيه الكثير من الثغرات.
الدولة تريد تغيير شكل بناء المؤسسات الدستورية من حكومة ومجلس نواب بحيث تكون الاحزاب هي الباب لتشكيل المجالس والحكومات، وهناك قوى اردنية مؤمنة بهذا المسار لتغيير أدوات بناء الحكومات ومجلس النواب، لكنها لا تريد لهذا المسار الايجابي ان يتم استغلاله من اي طرف او تيار لتغيير بنية الدولة السياسية والاجتماعية والوطنية.
وهذه القوى تريد اصلاحا يغير الأدوات والآليات لكنها تتحفظ وترفض اي مسار يغير بنية الدولة، وألا يكون تغيير الأدوات حصان طروادة لإحداث تغيير في بنية المؤسسات وعقيدتها السياسية والوطنية.
مما لا يقال وما هو مسكوت عنه أن البعض يدعم مسار التحديث لانه يرى فيه فرصة لتغيير بنية الدولة، وايضا هناك من يريد الإصلاح لكن لديه هواجس الاستغلال السيئ من البعض لفكرة التحديث والإصلاح.
أدوات المرحلة القادمة اهمها الاحزاب والعمل الحزبي، والبعض لانه لايملك اي خبرة في العمل الحزبي يعتقد ان الأمر يحتاج إلى كثير من الورق والقوانين والتشريعات، لكننا في الاردن نمتلك جيشا من المتقاعدين الحزبيين الذين عاشوا تجارب مهمة في العمل السري ونصف العلني في المدارس والجامعات ومع العمال والمعلمين.. ويعرفون أين هو المفتاح.
والبعض ممن يتصدرون بناء أدوات الحياة الحزبية يكررون تجارب ليست بعيدة لأحزاب اختفت اليوم لكن قادتها عند التأسيس نثروا الوعود للناس بالمناصب وعضوية مجالس الادارة والوزارات.. لكن مع أول ” شتوة!!” كانت الاستقالات لان الوعود كانت أحلاما ومحاولات استدراج للتسجيل بالحزب، فنتمنى من أولياء امر بعض الاحزاب ان يتوقفوا عن إطلاق الوعود لأن هذا سيكون بوابة الاستقالات حين يكتشف الأعضاء انهم لم يحصلوا على شيء، لأنهم سجلوا ليس قناعة بالحزب والعمل الحزبي بل بحثا عن منفعة…
التحديث ضرورة لكن له شروطا، فالتحديث ليس ان يتم تعيين من كانوا يأتون بالواسطة والشللية مرة أخرى لكن عن طريق كوتا حزبية، بل تغيير يأتي بالأفضل مع محافظته على بنية الدولة، التي يجب ألا تكون ثمنا لأي تحديث.
(الغد)