جارنا الظريف كان له حماران يتخذهما للحراثة والفلاحة والأحمال، وذات قائضة هرب أحد الحمارين، ولم يدركه صاحبه، فعاد غاضباً يتأبط شراً شاتماً الحمير وعيشتها وعشرتها، ثم هجم على الحمار الآخر المربوط بفناء الحوش، وانهال عليه بالسوط. وعندما سئل: ما ذنب هذا الحمار فهو لم يهرب؟!، فأجاب لاهثاً: لو طلع بيده لهرب ووصل الصين: أمريكا ربما تعلمت أسلوب الضربات الاستباقية من صاحبنا(أبو حمارين)!!.وسيبقى من الخسارة بمكان أن نقدم وردةً لحمار!!، فهو لن يتلهف لها، ولن يشمها بعمق، ولن يتغزل طويلاً بتضوع عبيرها، وانسياب شذاها، لكنه بكل تأكيد، سيمدّ عنقه سريعاً إلى يدك، وسيأكل الوردة المسكينة، بكل بساطة!!!.
لكن أرجو أن لا نطيل الحزن على الوردة الضحية، والتي صارت الآن مسحوقاً سائغاً في بطن الحمار، بل دعونا ننظر بعين من العطف والشفقة، إلى ظهر الحمار المدبور!!، فهناك الكثير من الجروح الطازجة والقروح، وهناك غراب انتهازي حقير، قد هبط فوق هذه الجراح، وراح ينكئها بخبث، وينقرها بعنف: وباستطاعتكم أن تعددوا الكثير من الغربان الانتهازية، التي تعيش على جراحات الآخرين وأوجاعهم!!!.
وسيظل الحمار كائناً وديعاً مطيعاً، لا يعصي أمراً لصاحبه، وقد تثقله الأحمال المتمايلة فوق ظهره المقرّح المدبور، لكنه لن ينيخ تحتها، بل سيتحامل على حملها بشق الأنفس، وسيمضي بها ولو ببطء وروية، لكن هذه الصبر وهذا الجلد، لن يعفيه أبداً من ضربات العِصي والهراوات، فضرب الحمير يصبح عادةً، وليس حاجة!!.
من الناس من يسوق حميره بالعصا وحدها، فالعصا لمن عصى!!، فيما آخرون يسومونها بالعصا والجزرة: فهو يربط الجزرة بالعصا، ثم يدليها أمام فم الحمار المركوب، فيعتقد الحمار (لأنه حمار!!!)، أنه إذا حثَّ الخطى، وأسرع وهمّ في المسير، فإنه سيدرك هذه الجزرة الغنيمة، لكن من الصعوبة بمكان، أن تقود الحمير بالجزرة وحدها.. دون عصا!!!.
الحمار الوديع قد تنتابه أحياناً حالةٌ من العناد العنيد، أو(الحرن)، فهو يحرّن ويتجمد مكانه، لا يتزحزح ولا يتنحنح، رغم مطر الضربات المنهمر، فهو بكل تأكيد، يفضل الضرب المبرح على صعود المنحدرات الخطرة!!.
في أوقات الفراغ القليلة الضيقة، الحمار عليه أن يتخلص من جحافل البراغيث والقراد والحشرات، التي تعيش على جسده وتمص دمه، وهنا ليس أمامه من خيار، إلا أن يتمرغ بالتراب، معتقداً أنه قد قضى على أعدائه المزعجين!!.
الكثير من الحشرات ستطير بعيداً، ريثما ينهي الحمار جولة (المرمغة)، ثم تعود ضاحكةً إلى موطنها الآمن: الكل يستغفل الحمار!!.
الحمير لا تتآلف فيما بينها دائماً، فهي إذا ما ربطت على وتد واحد؛ ستتقاتل وتتعارك بالعض والرفس والركل، لكن هذه الحمير تعلمت كثيراً من البشر، الذين دجنوها منذ آلاف السنين، فهي تتحد وتتآزر ضد عدوها المشترك (الحشرات)، فتحك أجساد بعضها البعض، وتحك أعناق بعضها، فيبدو للمراقب البعيد أنها تتعانق!!.
الكثير منا سيفكر بأولئك الذين يتخذون عِشرة الحمير، مسلكاً لهم: حك لي (تحك) لك، فهذه المقايضة الرخيصة قد تقضي على البراغيث وتجلب لهم المنافع أحياناً، لكنها تظل عشرة حمير، أليس كذلك؟؟؟. ramzi972@hotmail.com