الحرب أم الفوضى .. هل تحرق إسرائيل الأرض تحت أقدام حزب الله؟
د.مهند مبيضين
24-10-2010 01:15 AM
على الرغم من أن إدامة الفوضى والتوتر جزء رئيس من السياسة الإيرانية، إلا أنها تلتقي أيضا والمنهجية الأمريكية في سياسة الفوضى الخلاقة، وبالتالي تلتقي الاستراتيجيات والأهداف وإن اختلف الخطاب السياسي لكل منهما، فإيران تصف أمريكا بالشيطان الأكبر، وأمريكا تضع إيران ضمن دول محور الشر، وكل منهما يرفع الآخر ويدعمه بطرق غير مباشرة. إيران تدعم المقاومة والممانعة وتستأثر بالرأي العام العربي، وتسهم والأمريكان في دعم العملية السياسية في أفغانستان والعراق، وأمريكا ترغب ضمنا في إحراج دول الاعتدال العربي، وتطلب مزيدا من التنازلات، بينما ينادي البعض بضرورة إدخال إيران جامعة الدول العربية هي وتركي، فيما تظهر الدراسات الأمريكية أن أمريكا تحتاج إلى الدولتين لتنفيذ سياساتها واستراتيجياتها في المنطقة، وما يجري سوى صدى لهذه التفاهمات، وبذا لاتهمنا الخطابات ولا تهمنا البكائيات. فالعراق خاضع لإيران بعدما قدمته أمريكا لقمة سائغة لها، واليوم لبنان وغزة!
زيارة نجاد إلى لبنان قبل أيام حققت مقولة "الهلال الشيعي"، الذي مده نجاد في خطابه في بنت جبيل من حدود أفغانستان إلى غزة، فبعد أن أضحت إيران الطرف الآمر في العراق، وأي رئيس لأي حكومة لا يمر إلى سدة الرئاسة إلا بمباركتها، وبعد أن حققت الغلبة لحلفائها في لبنان، وبعد أن وطدت دولة غزة وأضحت واقعا، يبدو أن "الهلال الشيعي" بات واقعا في السياسية الإقليمية وفي خريطة التكتلات والأحلاف التي تمارس اللعب في ملعب الشرق أوسطية، وها هي طهران تطرح تحالفا جديدا بينها والعراق وتركيا وسورية ولبنان وغزة.
بعد عدوان إسرائيل على غزة نهاية عام 2008، الذي عطل ما كان ممكنا الوصول إليه باتفاق غير مباشر بين إسرائيل وسورية على السلام بوساطة تركية، كانت المنطقة مهيأة لإعادة توزيع الأدوار من جديد، لكن إيران التقطت اللحظة، ونجحت في إقناع معسكر المقاومة العربية بأنه لا نصر يتحقق إلا بدعمها، وأنها الراعي الوحيد والمقاول الرئيس للمقاومة، ومع أن جهودا عربية بذلت لتعزيز صمود أهل غزة وتخفيف نتائج الحرب عليهم سواء من الأردن أو المملكة والإمارات، إلا أن إيران ظلت في نظر طرف المقاومة العربي الراعي الرسمي الوحيد، وكل ما يأتي من خيرات العرب لدعم المقاومة لا يساوي دعوة أو مباركة أو تصريح يصدر من طهران على الطريقة "الهيلوودية".
بعد حرب غزة، أُهدي الصمود لرعاته بينما الشهداء والجرحى والثكلى مازالوا يتضورون. الصمود الذي كان يخفي تحته مدينة ثكلى، حول إلى نصر فيهاـ إلى نصر إلهي وفريد. وسبق أن تكرر المشهد في حرب تموز 2006، وبعد كلتا الحربين، نالت إيران النصيب الأوفر من الشكر، ولو أن غزة دمرت كاملة لخرج نجاد أوالشيخ نصر الله وقالا: أراد الأعداء محو غزة من وجه الأرض، لكن إرادة المقاومة بنت غزة أخرى تحت الأرض هي "غزة الإنفاق". ثم جاءت انتخابات العراق في آذار (مارس) 2010، ورغم أن القائمة المعارضة لإيران بزعامة إياد علاوي تقدمت، إلا أن إيران ما زالت تعطل تشكيل الحكومة العراقية، لأن طهران تؤمن أن من لا ينتمي لإيران عدو لها.
بعد هذا التوتر، جاءت جولة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في المنطقة فزار سورية، مصر، لبنان، والأردن. وكان للجولة أثرها الكبير في تخفيف حدة التوتر، ووأد حرب كادت تبدأ، وصنفت بأنها حدث جديد قد يعيد توزيع الأدوار في المنطقة، وأنها ستعزز التضامن العربي. وفعلا أسهمت الجولة في فتح الأبواب على مصراعيها بين دمشق وبيروت، وأنهت غضب دمشق، وأقنعت بيروت أن المصير المشترك والمستقبل أهمّ من الماضي.
اليوم أعادت زيارة أحمدي نجاد المنطقة إلى مربع التحالفات والخندقة، ورغم محاولته إظهار أنه يزور الدولة اللبنانية، إلا أنه في الواقع كان يضع الفرقة الغالبة صاحبة الشوكة، فوق الدولة وفوق اللبنانيين، وبذلك سيحول التأييد الذي لقيه والاستقبال المهيب إلى سيف على رقاب كل خصوم تيار أمل ــ حزب الله في لبنان.
في معرض استطلاع آراء الناس للزيارة النجادية لبيروت، عبرت إحدى مواطنات الجنوب اللبناني على شاشة العربية حين سئلت عن رأيها في الزيارة، بالقول: "إن مجيء نجاد للبنان معجزة"، وهكذا يبدو أن زيارة نجاد استهدفت عقل الشارع البسيط الذي يموج ويفقد عقله في كل مرة لمصلحة تنصيب إيران على سيادة المنطقة، فالخطاب الإيراني خطاب المقاومة ومقاومة الاستكبار العالمي والصهيونية، خطاب غير منطقي ومشكوك فيه، والشك فيه أن الغرب يرغب في ضرب الوحدة الإسلامية من الداخل، وإيران تتطلع إلى مجال حيوي وليست مدافعا حقيقيا عن المسلمين، فمن لا يرعاهم في إيران والعراق لا يرعاهم في الخارج إلا إذا كانوا جزءا من حركة مصالحه.
نجاد الرمز ونجاد المقاوم، ونجاد المنتظر، ونجاد الذي لا يجرؤ أحد على أن يسب إسرائيل وأمريكا بمثل ما يقول، يبدو سيد الملعب اليوم، لكن هل الدور المقبل أو الراهن لإيران في المنطقة محض اجتهاد إيراني، أم أنه جزء من إعادة تقسيم الأدوار، وجزء من تفاهم أمريكي ــ إيراني كما حدث في أفغانستان والعراق، أو مبدأ التعويض في السياسة الدولية. بمعنى أكثر وضوحا على أن يد إيران تطلق في لبنان مقابل سماحها برفع اليد عن عقدة تشكيل الحكومة العراقية، أو عن أي شكل تنتهي إليه التسوية في المنطقة.
في علم السياسية التسويات لا بدّ لها أن تجد طرفا مستعدا للقبول بالخسارة، لكن هل إيران مستعدة لخسارة جزء من نفوذها؟ هل إيران أبرمت صفقتها مع الولايات المتحدة؟ هل قوة حزب الله بمثل ما كانت عليه عام 2006؟ ثم ما الخسارة المتوقعة لكلا الطرفين؟ وإذا نشبت حرب إلى أي مدى ستتسع حدوها؟ وما موقف العرب من كل ذلك؟ ولماذا الوسيط الألماني بين إسرائيل وحزب الله وإيران والغرب يجد مجالا آمنا لديهم؟
على الجانب الإسرائيلي، أعلن أخيرا وزير الدفاع وزعيم حزب العمل أيهود باراك، أن حزب الله اللبناني استطاع أن يزيد من قدراته العسكرية ثلاثة أضعاف منذ انتهاء حرب تموز (يوليو) 2006 بين الحزب وإسرائيل. وقال باراك أمام جلسة للكنيست الإسرائيلي أخيرا "إن القوة النارية للحزب تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 2006 وبات يمتلك الآن 43 ألف صاروخ من مختلف الأنواع"، لكن هل تعمل أمريكا وإسرائيل على مضاعفة قوة حزب الله وحضور إيران لدفع المنطقة للحضن الأمريكي؟ لماذا لم تصل بواخر حزب الله وإيران المدنية والإنسانية إلى غزة؟ لماذا لم يؤكد حزب الله موقفه الواضح من دعم المقاومة العراقية إن كان يمثل المقاومة لإسرائيل وأمريكا؟
وأسهب باراك في تشخيص قوة الحزب، فبين أن الحزب يمتلك حاليا صواريخ قادرة على الوصول إلى أقصى المدن الإسرائيلية الجنوبية مثل عسقلان، وبئر السبع، ومفاعل ديمونة، التي تبعد 200 كيلو متر عن الحدود اللبنانية. في مقابل تفكك الوضع العربي المنقسم عامة، والفلسطيني ــ اللبناني الذي يعاني مشهد دويلات الطوائف، ونظرا لعدم وجود أي أوراق في يد العرب في مواجهة خطة إسرائيل في تهويد القدس، ومقابل التهديد الإسرائيلي المستمر باجتياح بري للبنان، تشهد إسرائيل اليوم أقوى الحكومات ارتكازا في تاريخها. وبحسب محللين يرون أنه لا صحة للقول إن نتنياهو بات أسيرا للائتلاف اليميني المتطرف.لا بل يسجل لنتنياهو أنه استنهض حزب الليكود من الحضيض بعد أن وصل إلى سدة القيادة فيه بعد عام 2006.
إسرائيل اليوم بعد مرور 18 شهرا على الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة في العاشر من شباط (فبراير) 2009، وبعد نحو عام ونصف العام على تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو التي انطلقت في الأول من نيسان (أبريل) العام الماضي، تشهد انسجاما إلى أقصى الحدود داخل الائتلاف الحاكم، مقابل معارضة غير متجانسة إطلاقا. فتشكيل الحكومة الحالية من حزب الليكود بـ27 مقعدا، وحزب يسرائيل بيتينو بـ 15 مقعدا، وحزب العمل بـ 13 مقعدا، وحزب شاس بـ 11 مقعدا، وكتلة يهدوت هتوراة التي تضم ثلاثة أحزاب: الأشكناز بخمسة مقاعد، وكتلة هبايت هيهودي بثلاثة مقاعد، هؤلاء جميعا نجحوا في التأثير داخليا وبعدم التنازل أو الذهاب إلى التسوية بأي خسارة. أما المعارضة فتبدو غير متماسكة نتيجة الاختلافات السياسية الشديدة بينها، فهي تضم حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني، وكتلة هئيحود هليئومي بثلاثة أحزاب متطرفة وخطيرة من عصابات المستوطنين، وكتلة ميرتس اليسارية الصهيونية، والكتل الوطنية الثلاث الناشطة بين فلسطينيي 48 وهي: القائمة العربية الموحدة ـ العربية للتغيير، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي.
معنى هذا أن انسجام إسرائيل الداخلي حكوميا يؤهلها لخوض أي مواجهة في المنطقة دون أي شعور بالتردد. وقد أصدر جيفري وايت المدير السابق لوكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع الأمريكية، دراسة بعنوان "الحرب إن أتت .. إسرائيل في مواجهة حزب الله وحلفائه". وأبرز ما جاء فيها أنه "إذا اندلعت الحرب مجددا على حدود إسرائيل ــ لبنان، لن يشبه الصراع كثيرا حرب 2006، بل سيكون حادثة، ربما مصيرية، وستؤدي إلى تحول المنطقة بأكملها".
أكد وايت، خلال مناقشة دراسته أن "مسرح الأعمال الحربية سيشمل 40 ألف ميل مربع"، في "لبنان (عشرة آلاف كيلو متر مربع)، وفي إسرائيل (20 ألفا)، وفي أجزاء من سورية (185 ألفا)". وكشف أن "نهاية الأعمال الحربية في 2006 شكلت نقطة بداية التحضيرات للحرب المقبلة" من قبل الطرفين، وأن "الطرفين يستخدمان أسلوبا هجوميا بالنظر إلى المواجهات السابقة". ويمضي وايت للتوقع بأن يتركز القتال على الحدود الشمالية لإسرائيل وفي جنوب لبنان، مع عدد من "المسارح الثانوية" للمواجهات. وبين أن "حزب الله" سيحاول صد الهجوم الإسرائيلي البري في جنوب لبنان بشراسة، فيما ستحاول إسرائيل الوصول إلى نهر الليطاني، وإلى ما بعد الليطاني، حيث تتركز صواريخ حزب الله". يكشف جيفري وايت وطبقا لتصريحات باراك التي أشرنا إليها، أن الجيش الإسرائيلي أتم استعداداته للقتال في المدن والمناطق الآهلة بالسكان عوضا عن القتال في الطبيعة، لذا سيحاول حزب الله امتصاص الهجوم الإسرائيلي البري لكنه "لن يتراجع" لذا "ستكون معركة الجنوب حاسمة". التوقعات الإسرائيلية بحسب وايت تشير إلى أن حزب الله سيعمد إلى إطلاق 500 أو 600 صاروخ يوميا في اتجاه إسرائيل، "وهذا كثير من النار الذي سيأتي في اتجاه إسرائيل". وأشار وايت إلى أن تقنية معظم الصواريخ التي في حوزة الحزب أصبحت أفضل مما كانت عليه في عام 2006، لافتاً إلى أنه على عكس عام 2006، فإن إسرائيل ستعمل على تدمير البنية التحتية المدنية اللبنانية لتحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية أعمال الحزب. وختم وايت بأن سيناريوهات نهاية الحرب، ثلاثة، وهي تتضمن الحسم، أو تعب المتقاتلين، أو الحل المفروض. الحسم، حسب وايت، لا يمكن إلا لإسرائيل تحقيقه، وبذلك إنهاء خطر حزب الله المسلح، وإملاء شروطها لإنهاء الحرب، بمعنى أنها ستحرق الأخضر واليابس تحت أقدامه حتى لو استنجد بنجاد. أما في الخيارين الثاني والثالث، فستكون النتيجة عبارة عن "فوضى"، مثل نهاية حربي 1973 و2006، وسيعمل المتقاتلون على الاستعداد لحرب أخرى مقبلة.
عن الاقتصادية السعودية