ما هو المشروع الوطني الفلسطيني..؟
والسؤال موجه لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن يلتف حوله، ممن يلقون كل دعم ممكن من الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل، ويتهمون الأذرع المقاومة للشعب الفلسطيني بالعمل على تخريب هذا المشروع.وعندما نقول كل دعم ممكن، فإننا نعني الدعم الذي تنحصر اهدافه في مواجهة الأذرع المقاومة، دون أن يحقق، أو حتى أن يؤسس لمشروع سياسي، أو يكون له أي أفق سياسي، يؤدي إلى حل.
الثوابت الفلسطينية كما حددها المجلس الوطني الفلسطيني، وخاصة دورة الجزائر التوحيدية (1988)، هي العودة والتحرير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتقرير المصير. ويفترض أن تكون هذه هي مفردات المشروع الوطني الفلسطيني.
بالطبع، هذه المفردات تنسجم مع مقررات قمة الخرطوم التي رفعت شعار ازالة آثار العدوان، بدلا من شعار تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، وإزالة دولة اسرائيل، الذي كان مرفوعا قبل "نكسة" حزيران/يونيو 1967.
عباس تفرغ في حركة "فتح" أواخر عام 1969، ونشر رسالة الدكتوراة التي اجازتها جامعة موسكو سنة 1973، أي أنه استغرق الفترة الواقعة بين تاريخ تفرغه، وحصوله على رسالة الدكتوراة، بإعداد الرسالة التي تدعو إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية عبر اجراء اتصالات مع القوى السياسية الإسرائيلية، واقناعها بعودة المهاجرين اليهود العرب إلى البلدان التي جاؤا منها..كان ذلك في الوقت الذي كانت فيه حركة "فتح" ترفع شعار، وتقود الكفاح المسلح للشعب الفلسطيني..أي أنه كان لعباس مفهومه المختلف للمشروع الوطني الفلسطيني، حتى لا نقول شيئا آخر.
في التطبيق العملي، ومن خلال مفاوضات اوسلو التي أشرف عليها عباس، مرر الرجل فكرة الحل السياسي على مراحل، ليس من بينها اعادة اليهود العرب إلى البلدان العربية التي جاؤا منها، إنما هو توصل بعد ذلك إلى اتفاق عباس ـ بيلين الذي يقضي بالتنازل عن حق الفلسطينيين بالعودة لديارهم، وهو ما كرسه حليفه ياسر عبد ربة، وبالتنسيق التام معه في وثيقة جنيف..! أي أن عباس استبدل إعادة اليهود العرب إلى بلدانهم الأصلية توطئة لإعادة الفلسطينيين إلى فلسطين، بتبادلية تبقي اليهود في فلسطين، والفلسطينيين في البلدان العربية..!
على هذه القاعدة رفض عباس نظريا اقامة دولة فلسطينية مؤقتة نصت عليها خارطة الطريق، وأصر على حل دائم، في ظل اختلال ميزان القوى لصالح اسرائيل، ورفضها الإنسحاب من الضفة الغربية..وذلك في ذات الوقت الذي يصر فيه، واتخذ فيه قرارات تقضي بنزع اسلحة الأذرع المقاومة للشعب الفلسطيني.
ولعلها لا تكون آخر طبعة من مشروع عباس الوطني هذه الحرب..حرب التجويع والحصار بهدف التركيع، التي يعلنها على قطاع غزة، بالتزامن مع قراراته القاضية بنزع الأسلحة المقاومة في الضفة الغربية، دون أي يضمن شيئا للشعب الفلسطيني..!!
اسرائيل التي لم تعط للفلسطينيين شيئا حين كانوا مقاومة ملئ السمع والبصر، هل يمكن أن تعطيعهم شيئا وهم منزوعي السلاح، منتوفي الريش..؟!
بالتأكيد أن عباس يعرف الجواب، كما نعرفه نحن. وبالتأكيد أنه يعرف أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. وهذا يدعو لطرح تساؤلين:
الأول: ما الذي يجعل عباس يكثف اتصالاته مع ايهود اولمرت بالتزامن مع رفعه وتيرة الحصار والتجويع على مواطنينا في قطاع غزة..؟
الثاني: ما الذي يجعل عباس يطالب بتشكيل قوة دولية ترسل إلى قطاع غزة في الوقت الذي يعمل فيه على توظيف هزيمته في غزة لتسريع خطوة ما على طريق التسوية، أو التصفية السياسية للقضية الفلسطينية..؟
نحن لا نرى في تكثيف الإتصالات مع اولمرت غير أنها عنوان لتحالف يستهدف جميع الأذرع المقاومة للشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق أيضا تأتي المطالبة بتشكيل قوة دولية ترسل إلى قطاع غزة.
الأهم من كل هذا وذاك، هو أن جميع الخطوات التي يقدم عليها عباس، لا يمكن أن تفهم إلا في سياق واحد هو مواصلة الحرب السياسية على المقاومة الفلسطينية، استمرارا للحرب العسكرية التي خاضها ضدها حرسه الرئاسي وأجهزته الأمنية.
ما يفعله عباس الآن هو امتداد واستمرار لما فعله دحلان في غزة.
لسنا من بين الذين يتبنون نظرية المؤامرة فقط لتفسير التاريخ، غير أن التاريخ الفلسطيني يمكن أن يوظف بجدارة من أجل اثبات صحة نظرية المؤامرة هذه..
عام 1982، كان هناك من يرى أن القيادة الفلسطينية كانت تبحث عن هزيمة من أجل تبرير اعلان قبولها بالحل السياسي للقضية، ولذلك تعمد ياسر عرفات مغادرة بيروت عبر أثينا، كما تعمد مغادرة طربلس عام 1983 عبر القاهرة، بعد أن قدم مثالا حيا للشعب الفلسطيني على عدم وقوف العرب إلى جانبه، بل ضده. وفي ظل هذه التبريرات أنفق عرفات كل الوقت الفاصل بين خروجه من بيروت، وتوقيعه اتفاقات اوسلو في البحث عن اوسلو، لا أدل على ذلك من أنه تعمد ترفيع قادة الهزيمة من العسكريين، الذين فروا من مواقعهم، واسناد مناصب رفيعة لهم فيما بعد، كانت بمثابة الشرارة التي أذنت بحدوث الإنشقاق الذي قاده قادة المقاومة الحقيقية، الذين تصدوا لقوات الغزو الإسرائيلي.
وقد حفظ عرفات لألئك القادة جميل الهزيمة، التي ازدادت نكرانا بعد انتصار حزب الله في ذات المواقع، وفي ذات الجغرافيا والطبوغرافيا، فأسند للحاج اسماعيل جبر قيادة قوات الأمن الوطني في السلطة الفلسطينية، وأوشك أن يعين أبو الزعيم منسقا عاما للأجهزة الأمنية، لولا تدخلات اللحظة الأخيرة.
وحين ارتأى قادة "فتح/الإنتفاضة" العودة إلى "فتح" الأم، بعد أن فشل مشروعهم لأسباب ليس هنا مجال تفصيلها، ظل عرفات يماطل، ويسوف، ذلك أنه ليس معقولا أن يقرر التخفف منهم عام 1983، حين كان يبحث عن حل، فيعيدهم ليناكفوه مجددا وهو في منتصف طريق الحل..أو حين أصبح الحل عالقا في زوره..!
التكتيك الذي يستخدمه عباس الآن هو ذات التكتيك الذي استخدمه عرفات من قبل..فعباس، وإن لم يرد التسبب بهزيمة على يدي "حماس"، (ربما لأنه يفضلها على يدي اسرئيل)، عمل على توظيف هذه الهزيمة من أجل التخفف من عبء هذه الحركة المقاومة، وأن يلحق بها عموم الأذرع المقاومة للشعب الفلسطيني. ولذا، هو يرفض استئناف الحوار معها، ويتهم سوريا وايران بالتسبب بما جرى في القطاع، وكأن ما جرى ليس هو ما كان ينتظره عباس، ليبرر به كل خطواته اللاحقة..!
لكن قميص سوريا، مضافا إليها ايران في هذه المرة، لم يعد ينطلي على الشعب الفلسطيني..خاصة وأن عباس كان يزايد على عرفات في حياته لجهة مطالبته بالمزيد من الإندفاعات والتنازلات تقدم لإسرائيل على طبق من الهزائم العسكرية والسياسية.
وكما نحرت سياسات عرفات على المذبح الإسرائيلي، فإن سياسات عباس ستنحر هي كذلك على ذات المذبح، وهذا ما ينطبق عليه القول إن أكثر الناس باتوا يعلمون..!!
لم ينبؤنا التاريخ حتى الآن بأن شعبا قاوم الإحتلال ولم ينتصر غير الشعب الفلسطيني. ولما كان انتصار الشعوب المقاومة هو حتمية التاريخ، فما الذي يخبئه التاريخ لمن يرفضون، بل يتآمرون على المقاومة، كما هو حال عباس اليوم..؟!