الولايات المتحدة .. لو اصغت للملك عبد الله الثاني ..
عدنان الروسان
15-01-2007 02:00 AM
لو أصغت أمريكا للملك عبد الله الثاني لوفرت على نفسها و علينا الكثير من الخرابرغم الغبار الكثيف الذي يملأ سماء المشهد السياسي العربي على امتداد الشرق الأوسط الكبير الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن القراءة في الأسباب والنتائج باتت أكثر وضوحا بعد انجلاء غبار محاكم التفتيش التي أرادتها الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون محاكما شيعية لمتهمين سنة وشيعة لا فرق مادام المتهمون بصورة أو بأخرى يمثلون نمطا وطنيا أو قوميا يمكن البناء عليه في الخروج من المأزق العظيم الذي وقع فيه العالم العربي ولا يستطيع منه خروجا .
ويمكن أن نقرأ بوضوح الكثير من العناوين البارزة في السياسة العربية وفي التوجهات الشعبية وتقلبات المزاج العربي العام الذي يغلي على نار هادئة ولا يدري أحد متى ينفجر ولا في وجه من وقد حاول الكثير من العقلاء الذين يستقرئون الأحداث ويعرفون بواطن الأمور في الشرق العربي تحذير الولايات المتحدة من نتائج تهور سياساتها في السنوات الأخيرة إلا أنه يبدو أن أمريكا مصابة بالصمم ولم تعد تستطيع السماع لأحد ولا تفقه إلا ما يقوم اللوبي اليهودي الأمريكي بضخه في آذانها صباح مساء .
فبعد إعدام صدام وغيره من المسؤولين العراقيين والتمثيل بجثثهم ، وبعد إعلان الإستراتيجية الجديدة للبيت الأبيض في العراق تبين للذين كانوا ينتظرون شيئا مهما أن الجبل قد تمخض فولد فأرا ، وأن هذا الفأر ميت أيضا وبالتالي فإن البيت الأبيض لا يملك أي إستراتيجية من أي نوع وليس لديه أي توجه أو خطط لحل الأزمات المشتعلة في العراق والشرق الأوسط ، بل إن المراقب يتمكن من ملاحظة أن أمريكا تهرب بسرعة نحو الأمام وأنها تحرق كل ما تجده في طريقها وهي بالتالي تتوسل بنظرية الفوضى الخلاقة للخروج من أزماتها المتعاقبة ، ويمكن ملاحظة أن هذه الفوضى أصبحت كبيرة إلى درجة لا يمكن لأحد ولا للولايات المتحدة نفسها أن تسيطر عليها.
لقد قام الملك عبد الله الثاني ملك الأردن بجهد كبير لتوضيح الصورة للأمريكيين ، وربما يكون قد أعطاهم الكثير من النصائح الثمينة والتي لو أخذوا بها لتلافوا الكثير من المصائب التي ألمت بهم وبنا في آن واحد ، وكان من المفترض أن تصغي الولايات المتحدة الأمريكية للملك عبد الله ، أولا لأن الأردن حليف للولايات المتحدة وبالتالي فإن النصائح الأردنية نصائح صادقة وخالية من أي غرض سوى الحفاظ على المصالح الاردنية والاميركية ايضا في آن معا ثم لأن الملك وريث لخبرة كبيرة جدا في شؤون المنطقة وطريقة إدارة الأزمات والصراع فيها ثم وأخيرا لأن الملك قادر على استشراف النتائج التي تتمخض عنها التحركات الأمريكية بصورة دقيقة ونصح كمخلص ومصدر ثقة لشعبه وامته العربية والاسلامية وقد ثبت ذلك في مرات كثيرة في السنوات الخمس الأخيرة .
والولايات المتحدة لا تصغي لأحد ، فلم تصغي لأي زعيم عربي ، بل إنها أحرجت الزعماء العرب المعتدلين والذين يشكلون طوق النجاة الأخير للمنطقة قبل أن تغرق في لجة من العنف الكبير الذي سيكون مدمرا للمنطقة ولأمريكا ومصالحها في العالم كله .
لقد بات واضحا تماما أن الولايات المتحدة غير مدركة لما يختمر في المنطقة ، كما أنها لا تأخذ على محمل الجد التخوفات التي يبديها المعتدلون في المنطقة ، بل إنها تحاول جاهدة إحراج كل ما يتمتع به تيار المعتدلين من مصداقية في الشارع وبالتالي فإنها تلعب بالنار ومن المؤكد أنها ستحرق أصابعها .
إن أكبر دعم يتلقاه من تسميهم الولايات المتحدة بالإرهاب والإرهابيين هو الدعم الأمريكي لهم ، إنها تقدم لهم كل المسوغات والمبررات الأخلاقية والشرعية والقانونية والإنسانية في حربهم ، كما أنها تغذيهم كل يوم بمزيد من الطاقة ومزيد من الدعم ، وتدفع الناس دفعا لدعمهم والوقوف معهم ، كما أنها تسحب كل يوم البساط أكثر فأكثر من تحت أقدام المعتدلين والباحثين عن حلول للمشاكل المتفاقمة التي تعصف بالمنطقة من أقصى القرن الأفريقي حتى شرق المتوسط مرورا ببلاد الرافدين ودوامة العنف هذه لا تتوقف بل إنها ككرة الثلج التي تتدحرج بسرعة جنونية وتكبر شيئا فشيئا كلما ازداد تدحرجها.
الأولى بالولايات المتحدة الأمريكية أن تصغي لصوت العقل والمنطق ، وان تصغي لصوت تيار المعتدلين في المنطقة وأن تعي أن كونها دولة عظمى لن يعفيها من النتائج المروعة التي ستنجم عن استمرار الوضع القائم ، فالمقاومة في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين ولبنان لم تتمكن الولايات المتحدة من الانتصار عليها ولو جزئيا بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب وبعد تجيش كل الغرب معها ، وبعد شحن كل ما توصلت إليه الترسانة العسكرية من أسلحة دمار إلى المنطقة.
أمريكا تضعف باستمرار والداخل الأمريكي يشهد على ذلك ، والمقاومة وتيارات الإسلام الجهادي تقوى باستمرار ويشهد على ذلك العراق وأفغانستان وحرب تموز في لبنان ، وتيار العنف يزداد وتيار المعتدلين يتقهقر .
أصغوا إلى صوت العقل ، أصغوا أيها الأمريكيون لحلفائكم المعتدلين في المنطقة فإنهم أكثر منكم حكمة ومعرفة وعقلانية وهم أدرى بشعوب مكة فهم أهلها ، وإلا فإنكم سوف تجدون أنفسكم قريبا في وضع لا تحسدون عليه ولن يجدي معكم النصح والمشورة نفعا .