ما يدور من سجال حول العدالة المناخية في مؤتمر شرم الشيخ « كوب 27 « يذكرنا بقرائن كثيرة حول العدالة الوبائية والصحية، ومقاومة الامبريالية الطبية، ومفاهيم موازية برزت في العالم في فترة كورونا المشؤومة، وخروج تعبيرات سياسية وشعبية كونية رافضة للمركزية الغربية، والعولمة والنظام العالمي ببعديه الاقتصادي والسياسي.
العالم اليوم يستشعر خطرا كارثيا يهدد الكرة الارضية، وان ثمة نظاما جغرافيا جديدا قيد الولادة.. وان كوارث الطبيعة والمناخ والاحتباس الحراري، وارتفاع درجات حرارة الكرة الارضية وذوبان الجليد وارتفاع نسبة المياه في الانهار والبحار والجفاف الداهم، وبحيث اصبحت مدنا مهددة بالزوال والغرق والاختفاء عن الخريطة.
قضية المناخ قد تخلف نعيا لمدن ودول وقارات.. النظام العالمي حتما اليوم امام مواجهة جغرافية وليست سياسية واقتصادية فحسب.. وما عجزت عنه السياسة والحروب العسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية سوف تصنعه الطبيعة وازمة المناخ والانحباس الحراري.
في نظرية العولمة، أطروحة فوكوياما كانت تنعي ذوبان الدول والهويات الوطنية، وطغيان النموذج الامريكي الرأسمالي / الليبرالي في الاقتصاد والسياسة والثقافة والاعلام، وحتى الطعام والشراب والملابس.
بشر فوكوياما بنهاية التاريخ والحتمية الامريكية.. والعالم اليوم بصدد مواجهة حتمية جغرافية وبيئية، نهاية الكوكب ونهاية الاوكسجين، ونهاية عوامل الحياة والعيش، ونهاية الهواء والماء، والسكر ايضا.
ليست مفارقة ولا صدفة تاريخية.. العالم في شرم الشيخ يجلس مرعوبا وخائفا من مصير الكرة الارضية، وحتمية زوالها ان لم تقم العدالة المناخية.. وفيما تواجه امريكا روسيا والصين في حروبا عسكرية وتجارية تنتج كربونا وتلوثا واكاسيد سياسية تسارع من غرق الكرة الارضية، وندرة الاوكسجين وارتفاع الحرارة، ونهاية العالم.
خبير بالامم المتحدة، قال في مؤتمر شرم الشيخ ان الكوارث المناخية والطبيعية خلفت هجرات قارية داخلية وعابرة باضعاف الحروب والنزاعات التي يشهدها العالم.. وحذر من توابع التغيير المناخي الكارثي، وما قد يؤدي حتما الى لحظة اصطدام قارية نتيجة لهجرات قسرية.
العالم اليوم بلغ ذروة التقدم حضاريا وتكنولوجيا، وعلميا.. ولكنه يعاني من دوامة احتضار اخلاقي وانساني، وروحي.. وفي اوروبا مفكرون حذروا من تدهور وانهيار الحضارة الغربية.
و في قضية المناخ وتوابعها، المطالبة بالعدالة المناخية عنوان كبير حمله قادة وزعماء دول الجنوب : افريقا واسيا والشرق الاوسط.. والمطالبة بالحد من انبعاث الكربون تتزامن ايضا مع ازمة تواجه شعوب افريقية واسيوية بالامن الغذائي ،و مطالب لانقاذ الشق الجنوبي من الكرة الارضية، وشعوبه التي تموت من الجوع.
صراخات شرم الشيخ وجماعات الدفاع عن الكرة الارضية والبيئة والمناخ اصواتها تضيع في براري متوحشة لعالم بنى جدرانا صماء وناطحات سحاب وقلاعا نووية، ولما قررت دول الغرب ان تسمع لأصوات دول الهوامش والاطراف، فعمّ سوف تعتذر.. حقبة الاستعمار وسرقة ونهب ثروات وخيرات الجنوب، وتبعية سياسية واقتصادية لمراكز المال الكلاسيكية انتجت دولا هشة ورخوة، ومعرضة باي لحظة ان تخفي عن الخريطة بفعل عامل مناخي او سياسي واقتصادي كارثي.
(الدستور)