مصطلح حكومة التكنوقراط مشتق من كلمة يونانية قديمة من جزئين، حكومة التقنية وكان أول من فكر فيها المهندس الأمريكي "هاورد سكوت" حين أسس عام ١٩٣٢، قوة شعبية ضمت خبراء في كافة المجالات من مهندسين وأطباء وصناعيين دون أن تضم السياسيين لان "سكوت" وجماعته رأوا أن رجال السياسة لم يكونوا قادرين على حل مشاكل الشعب الأميركي بعد أزمة اقتصادية أفقرتهم في أواخر عشرينيات القرن الماضي، أو حتى قادرين على الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا؛ ومن هنا أتت تسميتهم وتحولوا لحركة "تكنوقراط" لم ينسها العالم رغم أنهم لم يصلوا للحكم وقتها.

تتكون حكومات التكنوقراط من الطبقة العلمية الفنية المثقفة التي لا شأن لوزرائها بالسياسة ولا ينتمون لأي حزب، فمثلاً طبيب معروف وخبير في الادارة الطبية يتسلم وزارة الصحة، وحامل دكتوراه في العلوم المالية يتسلم وزارة الاقتصاد وهكذا.. أي أنه يمكن أن تحل مشاكل خدمة المواطن وزارة التموين، المياه والري، الكهرباء، الصحة والتعليم والمالية والضرائب؛ لكن أمور ترسيم الحدود او توقيع معاهدات تنتظر حكومة أخرى، سياسية وليست تكنوقراط.

ولهذا السبب لجأت لها دول متعددة الأحزاب مثل اليونان وإيطاليا كحل مؤقت لمشاكل طارئة عندما وصلت لازمة بسبب خلاف بين أعضاء الحكومة المنتمين للأحزاب، فاحتاجت متخصصين مستقلين في قراراتهم، لكن الاصل في الحكم والمفاوضات ومخاطبة الجمهور وقرارات الحرب والسلم هو ممارسة السياسة وليس في بالتخصص وحده.

ففي عام ٢٠١١ عُين الرئيس الإيطالي رئيس الوزراء "ماريو مونتي" لا سياسياً ولا ينتمي لحزب وهو خبير اقتصادي يعرف باسم "سوبر ماريو" لتمرسه في الأمور المالية، عين ولم ينتخب كعادة الدول ذات التعددية الحزبية، لإنقاذ إيطاليا من الإفلاس بعد تراكم الديون الخارجية فاتخذ إجراءات تمزج بين زيادة الضرائب وإصلاح نظام الرواتب والمعاشات وتوفير حوافز لتعزيز النمو الاقتصادي، حتى يستعيد المستثمر الأجنبي ثقته لضخ أمواله مرة أخرى في مشاريع داخل إيطاليا.

ونجح الرجل في اخراج بلاده من الازمة دون مساعدة صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي؛ ولكن في إيطاليا تجنب السياسة صعب، فبعد التجربة تحول مونتي لسياسي ورشح نفسه في انتخابات عام ٢٠١٣ ، ولكن مهاراته كأستاذ جامعي واقتصادي إفتقرها كسياسي، فظهر ضعيفا مقابل خطابات السياسيين المتمرسين، وقيل انه يتحدث بأسلوب "متيبس" كما لو كان يلقي محاضرة لطلابه، ويحتاج مهارات ليصبح سياسياً ففشل.

في عام ٢٠١٨ ولتجنب استغلال التكنوقراطيين في إيطاليا لفترة حكمهم لدخول معترك السياسة كما فعل، اشترط على رئيس وزراء تكنوقراطي وعلى أي وزير في حكومته عدم الترشح لأي منصب بعدها.