كيف ساهم "التعليم عبر الانترنت" بتحسين فرص المعرفة للإنسان؟
م. عبدالله دحيدل
15-11-2022 10:37 AM
أصبح التعليم عن بعد أحد الأشكال الأساسية في نقل المعرفة والحصول على المعلومة، حيث انتشر مفهوم "التعليم عبر الانترنت" في العقد الأخير وسارعت المؤسسات التعليمية كالجامعات والمعاهد الى انشاء وحدات تعليمية خاصة لتطوير فكرة التعلم عبر الانترنت، وليس على مستوى التعليم فقط بل حتى الشركات والجهات الحكومية والمنظمات مارست اعمالها من خلال الانترنت وفي الأجواء الافتراضية واتخذت العديد من القرارات والاوامر دون الحاجة لجلسة واحدة داخل قاعة او الاستعانة بترتيبات لوجيستية فكل شيء يمكن القيام به بسهولة دون السفر وقطع مسافات وتكبد عناء المصاريف والرحلات الطويلة.
ولكن ما هو التعليم عبر الانترنت؟ والى أي مدى يمكن ان تصل المؤسسات التعليمية في استخدام هذه الحلول عبر الشبكة الافتراضية؟ والى أي مدى يمكن ان تحل هذه الطريقة وتكون بديلاً للتعليم التقليدي؟
يوجد العديد من المفاهيم والتعريفات للتعليم عبر الانترنت، فهو شكل من اشكال التعلم الذي يتم فيه نقل المعرفة والقيام بالممارسات والتفاعلات في بيئة تعليمية افتراضية يكون فيها المعلم مفصولاً او متواجداً مع طلابه ، وهنا نركز على التعليم عن بعد وهو ان تكون العملية التعليمية بين المعلم والطالب والمؤسسة التعليمية في بيئة افتراضية (شبكة الانترنت) تتم من خلالها تبادل المعرفة والخبرات وتلقي وارسال المعلومة وقد تكون متزامنة (في وقت محدد ومكان محدد) او في أوقات مختلفة (يتاح فيها التسجيل) وتكون اكثر مرونة، ويتم فيها استخدام تقنيات تعليمية حديثة كأشرطة الفيديو والصوتيات وشبكة الانترنت والتخزين السحابي وبرامج الاتصالات الحديثة (زوم، مايكروسوفت تيم..) وغيرها من التقنيات التي تسهل من نقل المعلومة دون الحاجة الى التواجد الجسدي والفيزيائي مع شخص اخر كالمعلم او الطالب.
التكنولوجيا والانترنت وتأثيرها في التعليم عن بعد
ساهم التطور التكنولوجي بشكل كبير في انتشار التعليم عبر الانترنت وإزالة الحواجز والمعيقات في طريقه، فالحواسيب الحديثة وأدوات الاتصال وبرامج التواصل المرئية (Zoom,Webex..) لها أثر كبير على تحسين العملية التعليمية، كذلك انتشار الانترنت والسرعة الهائلة في نقل البيانات ودخول الجيل الخامس في البنية التحتية لشبكات الانترنت والتي قللت من انقطاع الاتصال او ضعف الشبكة مما زاد من موثوقية نقل المعلومات، إضافة الى القدرة الكبيرة في تخزين البيانات سواء كان تخزيناً سحابياً او تقليدياً فلا داعي لوجود غرف الارشفة ذات الخزائن والجدران الخاصة بتوثيق المعلومات، وعلى الرغم من ان الانترنت لا يصل الى كثير من دول العالم الثالث بكفاءة وجودة عالية الا ان التطور التكنولوجي يدخل شيئاً فشيئاً ضمن حياة المواطنين في الدول الفقيرة.
جائحة كورونا وأثرها في انتشار التعليم عبر الانترنت
تعتبر جائحة كورونا خطاً فاصلاً ومرجعياً في انتشار التعليم عبر الانترنت، حيث أجبرت الجائحة جميع دول العالم على التكيف مع الوضع الراهن والقبول بالتحول التدريجي الى استخدام التعليم عبر الانترنت، فبعد ان تعطلت الحياة لكثير من القطاعات ولعدة أشهر كالمدارس والجامعات والمعاهد كان لابد من وجود حل سريع لاستمرار العملية التعليمية وهو ما جعل التعليم عبر الانترنت يعتبر الحل الأول في تلك الفترة، ففي المملكة العربية السعودية وحدها شارك اكثر من 1.4 مليون طالب في 35 مليون جلسة تعليمية يقودها 76 الف عضو تدريس في فترة الحظر اثناء جائحة كورونا، بل وان الكثير من الجامعات استحدثت وحدات تطويرية لنقل المحاضرات الى الطلاب عبر الانترنت، وبعض الطلبة اكملوا فصولهم الدراسية وتخرجوا من الجامعة دون ان يأخذوا محاضرة واحدة في قاعة صفية تقليدية، على الرغم من ان العديد من المؤسسات لم تعترف يوماً بالتعليم عن بعد الا انها مضطرة الى مواكبة السرعة والاعتراف بأن العملية التعليمية لها اشكال عديدة فبدلاً من مناكفة التعليم عبر الانترنت ووضع القيود عليه والتقليل من حجمه وجب على المشرعين والتربويين ان يجدوا حلولاً علمية لدمج التعليم عبر الانترنت في أي عملية تعليمية وفقاً لضوابط واقعية والعمل على تسهيل نقل المعرفة دون تعقيد.
الحروب والنزاعات
للأسف وكغيرها من الصراعات تعمل الحروب والمشاكل الإقليمية على تهديد البنية التحتية للدول ومنها المؤسسات التعليمية، حيث تتعطل الدراسة كثيراً وتصبح حياة الطلبة والأساتذة في خطر دائم، الا انه من المفارقات العجيبة ان اللاجئين والنازحين يكملون دراستهم عن طريق التعليم الالكتروني وعبر الانترنت، فبالرغم من ان الحروب تهدد مستقبلهم التعليمي الا ان المهاجرين مثلاً واللذين لا يستطيعون دخول الجامعات والانخراط بها بشكل رسمي لأسباب متعددة كالإقامة ومعادلة الشهادات وغيرها يمكنهم من متابعة الدراسة عبر الانترنت، و تجاوز فرق الثقافات والبيئة الاجتماعية واللغة حتى يتمكنوا فيما بعد من العودة الى بلادهم او اكمال الدراسة عبر الانترنت لطبيعة الظروف التي يعيشونها.
الالتزامات والعمل وكبار السن
التعليم عبر الانترنت فرصة لا تعوض لتطوير المهارات والمعرفة لدى الموظفين ورواد الاعمال وكبار السن، هؤلاء الذين لا يجدون وقتاً كافياً للذهاب الى الجامعة او المعاهد بحكم التزامهم في أوقات الدوام التقليدية او نتيجة كبر السن والحالة الصحية، فالكثير من الموظفين تبعد أماكن عملهم ساعات عن منازلهم وكثير منهم يعملون خارج المدينة وبعيداً عن المؤسسات التعليمية، وربما من الصعب على كبار السن أيضا الالتزام الصارم بحضور محاضرات في مكان جامعة او معهد وبشكل كامل ومنتظم، عدا عن ركوب وسائل النقل واستخدام المواصلات العامة للذهاب الى المؤسسات التعليمة والتي يمكن ان تأخذ وقتاً من حياتهم اليومية، فكم ساهمت فكرة الجلوس في أوقات الفراغ او في نهاية الأسبوع لمتابعة الدروس عن بعد وامامك المدفأة وكوب من القهوة بتطوير المهارات التعليمية وتجاوز العديد من العقبات، حيث يساعد التعليم عن بعد بتنظيم اكثر للوقت واستغلال أوقات الفراغ ولن يكون العمل او كبر السن عائقاً اما التعلم بل سيتم تخفف الالتزامات الى الحد الأدنى تقريباً.
التكرار والاجهاد واستغلال الوقت
في السنوات القادمة ربما تكون فكرة أن يكرر المعلم او أستاذ الجامعة محاضرته اليومية ثلاث مرات او اكثر في اليوم الواحد لوجوه مختلفة من الطلبة أمراً عبثياً واستنزافا للموارد البشرية، خاصة في ظل التضخم السكاني وزيادة أعداد الطلبة ومحدودية مرافق التعليم، وعلى الرغم من محدودية الإمكانيات في العديد من الدول الا ان محاضرة واحدة لموضوع واحد ستكون كافية خلال اليوم، وهذا ما نجحت به وسائل التعليم الالكتروني، حيث أعطت المزيد من الوقت للمعلم لتطوير ابحاثه وكذلك للطالب لترتيب مواده، وخففت من الضغط الهائل على مرافق الجامعة، ان فكرة التكرار مرهقة جداً في العملية التعليمية ولكن التخزين السحابي وتسجيل المحاضرات وعرضها في أي وقت والتفاعل غير المباشر وغير المتزامن ساهم في تخفيف الإرهاق وتقليل التكرارات، فكم ساعد التعليم عبر الانترنت الأستاذ والطالب والمؤسسة التعليمية في استغلال الوقت بشكل مثالي وساهم في تقليل التكاليف وإدارة المرافق ومواكبة عصر السرعة بمجهود اقل وفائدة اكبر، وكل ذلك ينعكس على الطالب بالحصول على التعليم في أي وقت واي مكان وباسعار رمزية او بسيطة.
هذه بعض ميزات التعليم عبر الانترنت والذي يعتبر اليوم الأسرع انتشاراً والأكثر قبولاً لدى المتعلمين، ولكن هنالك العديد من الإشكاليات التي لازالت تحتاج الى حلول منطقية، كالمختبرات الهندسية والعملية والتي تحتاج الى ممارسة واقعية وليس في عالم افتراضي، إضافة الى آلية صارمة لمراقبة الغش والتسيب والتحكم اكثر بمخرجات العملية التعليمية، عدا عن فكرة التفاعل والذكاء العاطفي والمناقشات الحيوية والتي ربما لا تكون كافية من خلال التعليم عبر الانترنت، ومع ذلك فإن قياس الأثر من خلال ممارسة التعليم عبر الانترنت يحتاج الى دراسات دقيقة ومستفيضة من خلال مراقبة مخرجات العملية التعليمية والتي في نظري اراها مناسبة للعديد من التخصصات، بل واعتبر التعليم عبر الانترنت خطوة ممتازة لمواكبة عصر السرعة واستغلال وقت الانسان بطريقة افضل، فالمؤسسة التعليمية التقليدية ستتغير لا محالة مع قادم الأيام.