بين سنة وأخرى يتكشف للعلن ملف ثقيل ينوء عن حمله اقتصاد متواضع كالاقتصاد المحلي.
المتورطون كثر ورقم الخسارة ينوف على مائة مليون في العادة وأجهزة الرقابة لم تتمكن من الكشف المبكر عن شبهات الفساد أو الفساد بهذه المؤسسة أو تلك.
ويصطدم المواطن مجددا مع حديث عبثي عن الفساد لا يتم من خلاله رسم منهج جديد للمحاسبة والرقابة يقيد كل من تسول له نفسه أن يمد يده الى خزينة الدولة وحليب أطفالنا.
بعد تحويل ملف شركة موارد إلى هيئة مكافحة الفساد فما الذي يمكن قوله غير أن نظام الانذار المبكر شبه معطل في بلادنا، فمنذ سنوات والتحذيرات تتراءى أمامنا بصور مختلفة، تارة من خلال مقال يسعى إلى فهم طبيعة عمل الشركة وحدود صلاحياتها والهالة التي تحيط بادارتها، وأخرى عبر نائب نزيه يحاول أن يسمع صوته بين عشرات الأصوات التي تحاول أن تمنع وصول صوته إلى العامة، متسائلا عن سبب كفالة الحكومة لهذه الشركة وحجم الورطة المالية المصاحبة لذلك.
وكانت الحكومة تورطت قبل ست سنوات في كفالة سندات دولية بقيمة 145 مليون دولار لصالح مؤسسة استثمار الموارد الوطنية وتنميتها "موارد"، ولقد قامت الحكومة الأردنية بدفع القسطين الأولين من هذا القرض المتعثر بمبلغ 14 مليون دولار تم استدانتها من بنوك محلية.
الكفالة وتعثر القرض وعدد الأشخاص الذين امتدت أيديهم إلى أموال القرض ومنهج العمل كله وسبب تأخر مشروع العبدلي الذي صرحت إدارة "موارد" السابقة بأنه سينتهي خلال العام الحالي ولم يبق من هذا العام سوى شهرين، وغيرها من أسئلة رجل الشارع المشروعة في مواجهة هذا الملف الثقيل، بانتظار الإجابة من قبل هيئة مكافحة الفساد التي تدرس في هذه الأيام ملف الشركة وسيرتها خلال السنوات الماضية.
الدروس التي يتعلمها الأردنيون من ملفات الفساد الثقيلة كثيرة وقاسية على رأسها: استباحة الفاسدين للمال العام من خلال لصوصية تمس خزينة الدولة، إن الفساد يصيب جوهر النمو والتطور الاقتصادي ويدمر المنجزات التراكمية، الفساد بنيوي ويصعب اجتثاثه، إن مؤسسات الرقابة شبه محيدة فالبرلمان السابق كان أضعف من أن يقف بوجه الفساد وبعض"رجال" الاعلام كانوا أبواقا وضمن جوقة العلاقات العامة التي ترافق الأسماء، التي تحوم حولها شبهات الفساد، وإن ذات الأسماء تتكرر من شركة لأخرى ومن ملف فساد لآخر وتحظى برعاية مستمرة من قبل جهات عديدة.
وما يعزز من حالة الاحباط عند البحث عن أسباب الفساد في ملفات شركات حكومية وعامة وأخرى غير حكومية، ما قالته منظمة النزاهة الدولية بحقنا قبل 8 شهور، إذ ذكرت المنظمة "ان إصلاح إطار مكافحة الفساد في الأردن خلال السنوات القليلة الماضية، أنتج هيئات مراقبة خائفة وقليلة النتائج"، ومما يتطابق مع ما سبق أن جهود الرقابة شكلية وتركز على موظف ارتشى بمبلغ خمسة دنانير، ويتم غض الطرف عن "الحيتان" الذين يعيثون في الأرض خرابا، ويرتبطون مع بعضهم بعضا بشبكة مساهمات وشركات ومصالح تقوم على مقولة "إفساد ما يمكن إفساده".
ننتظر بفارغ الصبر ما سينتج من تحقيقات هيئة مكافحة الفساد بشأن "موارد"، والمأمول أن يدقق الناخبون قبل اختيار مرشحيهم للبرلمان المقبل، فضعف البرلمان يعني فسادا أكثر وأشد فتكا، والإرادة الحقة تستدعي تغييرا نوعيا في أدوات الرقابة والمحاسبة على مستوى البلاد.
نقلا عن الغد