تقول الاسطورة اليونانية إن "سيزيف"، مؤسس مدينة "كورنتس" قد اشتهر بالمكر والدهاء. ولما أن ورد الجحيم حُكم عليه بعذاب أبدي قائم على دفع صخرة من أسفل جبل إلى أعلاه، حتى إذا أوشك أن يبلغ القمّة تدحرجت الصخرة إلى أسفل، فكان عليه معاودة الكرّة من جديد، وهكذا دواليك. وهذا عذاب شنيع، فيه من التعب والقهر والمقت، ما فيه. ويقول البيركامو الذي عالج الموضوع في "اسطورة سيزيف"، إن الكثير من الرعب قد سكن قلب سيزيف، وكان يتمنى لو أن ينتهي هذا القصاص أو يستبدل بأخفّ منه.
في حياة المواطن الأردني بعض من صور عذاب سيزيف، وأهمها ما هو متمثل بأنّ استكمال أي برنامج رسمي في الدولة يغدو هو سيزيف وحجره. فما أن يتقلد أحد الوزراء أو المدراء أو أي من المسؤولين منصباً ما، حتى يبدأ من أول ساعة، في أول يوم يجلس فيه على الكرسي، بتجميع القرارات التي اتخذها من كان قبله فيلغيها، ويبدأ بردم "المدماك" حجراً حجراً حتى يصل إلى الأساس فينقضه برمته على اعتبار، أن كل ما تم سابقاً هو غير صحيح، وأنه، أي القادم الجديد، هو الذي يأتي بالفتح الأعظم. بل وأكثر من ذلك إذ يذهب هذا المسؤول "الجديد" إلى أبعد من هذه الخطوة فيبدأ بإلغاء كل ما اتخذه السابقون من إجراءات حتى لو كانت صحيحة. ويبدأ باتخاذ قرارات مناقضة لها تماماً، ليس لأن ما قام به غيره هو خطأ، وأن ما يقوم به هو الصواب، ولكن فقط لإثبات الذات.
ناهيك عن أن الكثيرين من المسؤولين "الجدد"، أو "المتجددين" إن لم يكن كلهم يعمدون إلى إقصاء بعض الموظفين القدامى عن مراكزهم، والإتيان بغيرهم لأن، القدامى، برأيهم، فاشلون وأن بطانته المسؤول "الجديد" هي التي يجب أن تتسلم أجزاء السلطة دون الالتفات إلى كونها صالحة أو غير ذلك. فلم يعد الرجل المناسب في المكان المناسب ولكن أصبح الشعار تحقيق المكاسب.
إن البناء التراكمي في الانجازات أمر مسكوت عنه، بل ومستبعد. لذلك رحنا نشخصن القضايا العامة لتصبح في خدمة قضايانا الخاصة، بعد أن أسقطنا من حساباتنا معايير الكفاية والاقتدار والمُكنة. وراحت تشغلنا الواسطة والمحسوبية والشللية عن السير في سبل الرشاد.
وهكذا سيظل بناء الدولة "تحت الإنشاء" رغم مرور سنين وسنين، فقط لأننا نسينا أن الإبقاء على الأساس الصالح هو الذي يقودنا إلى بناء "المدماك" الثاني، وعدا ذلك سنظل ساقطين في حالة "التجربة والخطأ" ويظل الوطن تائهاً بعد أن فقد هويته وضاعت منه سبل التنمية والتطور.
متى يرتاح "سيزيف" الأردني فينا، فيوصل الصخرة إلى القمة.