الملك من شرم الشيخ .. المناخ غير قابل للتجزئة
نيفين عبد الهادي
09-11-2022 12:18 AM
حتى وقت قريب كان يرى كثيرون في مخاطر التغير المناخي والمبادرات التي تعنى بالمناخ وحماية البيئة وغيرها من تفاصيل بهذا الشأن، أنها ترفيّة وبعيدة عن أولويات المرحلة وبرامجها، فمضى الكثير من الدول دون إعارة هذا الجانب الهام والحساس أي استعدادات أو على الأقل أخذ الحيطة والحذر لمنع وقوع هذه الأخطار أو اتساع حجمها.
اليوم، لم تعد هذه القضية قابلة للجدل، وابتعدت تماما عن مساحاتها الضبابية، ذلك أن العالم اليوم يعاني وبالبنط العريض من مشاكل التغير المناخي ومخاطره، وقليلة هي الدول التي تنبّهت لذلك مبكرا، ووضعت خططا لتواجه مخاطر التغير المناخي، ولتقي شعوبها منها، لتصبح الآن مشكلة التغير المناخي حاضرة للأسف بسلبياتها بانتظار حلول لن تحدث ما لم تتحق شراكة دولية لهذه الغاية.
الأردن من الدول التي تنبهت لهذا الجانب في الوقت المناسب، وكما أكد جلالة الملك عبدالله الثاني «الأردن بسجله الحافل بالمشاريع الناجحة في مجال الاستجابة لآثار التغير المناخي، حريص على أن يكون مركزا إقليميا للتنمية الخضراء»، مع تأكيدات جلالته في كلمته التي ألقاها في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، الذي تستضيفه مصر، على أن «الأردن يعمل بالشراكة مع مصر، والعراق، والإمارات، والسعودية، والبحرين، ودول أخرى لزيادة منعة المنطقة بأكملها»، واضعا جلالته هذه القضية تحت مجهر الاهتمام العالمي، عندما قال جلالته «أمام مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP-27) مهمة ملحة، وهي إطلاق جملة من الإجراءات للتعامل مع التغير المناخي على مستوى جديد، لتكون قادرة على إحداث التغيير الملموس وتحقيق النتائج بسرعة وفاعلية كبيرتين».
واقع هام جدا تناوله الملك دون تغليف المشهد، متحدثا بلغة حاسمة، عندما استعرض أبرز التحديات التي تواجه المناخ، والتي من أبرزها ملف اللاجئين، عندما لفت جلالته «إلى مبادرة مترابطة المناخ واللاجئين التي تقدم بها الأردن لإعطاء أولوية الدعم للدول المستضيفة التي تتحمل عبء التغير المناخي، داعيا الدول المشاركة بالمؤتمر إلى المصادقة عليها»، وهذه التحديات ربما يغفلها البعض، ليؤشّر عليها جلالته بوضوح، داعيا الجميع لتحمّل مسؤولياته سيما وأن «مخاطر التغير المناخي القاتلة ما زالت بازدياد مطرد، تدفع ثمنه جميع الدول، وخاصة الدول النامية»، وضوح ملكي يجعل من قضايا المناخ حاضرة على منصّات البحث الدولية والاقليمية، لإيلائها الاهتمام الذي تحتّمه التغييرات.
جلالة الملك تحدث عن الأردن، واصفا جلالته الواقع المحلي بقوله «هذا هو التزام الأردن، فالتغير المناخي ليس جديدا علينا، ونحن نواجه التهديدات المناخية ذاتها التي تواجه منطقتنا بأكملها»، متناولا جلالته الحديث عن تراجع متوسط هطول الأمطار إلى النصف، وتراجع منسوب مياه البحر الميت، وتتدفق في نهر الأردن سبعة في المئة فقط من المياه، واختفاء واحات بتنوعها الحيوي، وما تسببت به درجات الحرارة المرتفعة وندرة المياه في الأردن بالضغط الشديد على مواردنا المحدودة، والازدياد غير الطبيعي في النمو السكاني الناجم عن التدفق الهائل للاجئين.
ولم يغلق جلالته الباب أمام الرؤى الايجابية، والحلول العملية، فطالما وضع جلالته تشخيصا للقضايا، مع طرح الحلول العملية لها، سيما وأننا نملك اليوم أكثر «وفرة في المعرفة المختصة، والأدوات العملية، والمقاربات الناجعة»، واضعا جلالته عاملين للنجاح أولهما «تحقيق التكامل الوثيق بين إجراءات التعامل مع التغير المناخي والتنمية الاقتصادية»، وثانيهما «التعاون الوثيق على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التعاون بين القطاعين العام والخاص، للاستفادة من الفرص والتشبيك بين الموارد والقدرات»، ليس هذا فحسب إنما ربط جلالته المناخ العالمي ببعضه عندما أكد أنه «غير قابل للتجزئة»، لذا فإن الخروج من مشاكله لن يكون بحلول فردية إنما بالعمل المشترك وعلى مستوى عالمي.
(الدستور)