بقدر سوء نتائج الانتخابات الاسرائيلية التي افرزت يمينا متشددا وعنصريا يقوم على كره الآخر واقصائه، بقدر ما ان ذلك قد يحمل نتائج سياسية تستنزف رصيد اسرائيل الدولي وتذيب الدعم اللامتناهي الذي كانت دوما تحصل عليه من عواصم القرار العالمية الرئيسية.
نتائج الانتخابات الاخيرة استوقفت دوائر مهمة كانت تاريخيا داعمة لإسرائيل، ونرى ان اقوى اصدقاء اسرائيل يحذرون ويقولون ان اسرائيل باتت لا تحظى بدعم عابر للأحزاب من اليمين واليسار، وان انقساما سياسيا حولها يتشكل بتدرج في واشنطن بالتحديد. الحزب الديمقراطي على وجه الخصوص يجد من الصعوبة بمكان ان يدعم يمينا اسرائيليا عنصريا اقصائيا، حيث انه حزب يقوم على مبدأ الادماج ودعم الاقليات واشراكهم. الجمهوريون وقاعدتهم الدينية الداعمة فرحة بنتائج الانتخابات الاسرائيلية، ولكن ذلك ليس كافيا وحده، وهو اقل من حجم الدعم السابق الذي كان يأتي من الحزبين.
مؤشرات واضحة على عدم ارتياح الادارة الاميركية والنخب غير المحافظة في واشنطن لنتائج الانتخابات. التهنئة للائتلاف اليميني الفائز أتت من السفير الاميركي في اسرائيل، ولم تأت الا متأخرة من الرئيس الأميركي على عكس ما جرت العادة. هذه رسالة واضحة جلية لجهة ان العلاقة مع الائتلاف الاسرائيلي الجديد لن تكون بحال جيد وستدخل حالة برود. كتاب وقادة رأي يتفاجأون ويعبرون عن خيبة املهم من نتائج الانتخابات افرزت ائتلافا عنصريا. الكاتب توماس فريدمان الداعم وصحيفته تاريخيا لإسرائيل يقول ان اسرائيل هي ليست التي كنا نعرفها ونحبها وندعمها نظرنا اليها انها قصة نجاح، فقد اصبحت الآن كيانا مختلفا لا يشبه ما كنا نعرف او نريد، ولا تتماهى مع منظومة القيم الأميركية الرئيسية. قادة في الحزب الديمقراطي يؤكدون ان اسرائيل باتت امرا جدليا في واشنطن ولم تعد تحظى بكم الدعم السابق.
الدعم الأميركي سيستمر، وادارة بايدن لن تكون الا صديقة لإسرائيل وداعما لها، ولكن هذا الدعم العالمي والأميركي المنقطع النظير في طريق النزول وليس الصعود، نهايته باتت تلوح بالأفق وإن بعد حين. أميركا مؤثرة جدا لجهة دعم اسرائيل سياسيا وامنيا ودبلوماسيا، ويستطيع بايدن ان ينال من الائتلاف الحاكم بل ويسقطه ويضعفه. تخيلوا فقط ان تمتنع اميركا عن استخدام حق الفيتو ضد طلب السلطة الفلسطينية الحصول على عضوية كاملة في الامم المتحدة. كانت اميركا تفعل ذلك دوما ويعتريها الحرج بسببه لأنها الامة التي انتجت مبدأ حق تقرير المصير منذ عهد الرئيس ويلسون.
نتنياهو وائتلافه العنصري المتشدد ازاح اسرائيل اقرب من اي وقت مضى لتكون بالنسبة لأميركا تماما كما كانت جنوب افريقيا العنصرية لبريطانيا. نرى هذا يحدث بتدرج، ومزيد من الدول والشعوب تناصر الرواية الفلسطينية لأنها تستند للحق والعدل. نسير باتجاه ان تكون اسرائيل معزولة لا يساندها الا قلة من الدول، لانه تقف على الجانب الخاطئ من التاريخ، تحتل شعبا بأكمله وتحجم عن اعطائه حقوقه السياسية البديهية من العيش باستقلال وكرامة في دولة قابلة للحياة قادرة على منح الجنسية.
(الغد)