فاطمة برناوي .. قصة نضال لا تموت
سارة طالب السهيل
08-11-2022 11:58 PM
ما أسرع الأيام وهي تمضي بنا وقد حفرت بمشاعرنا وأرواحنا ذكريات لا ننساها، وإن غفلنا عنها بعض الوقت لكنها تبقى حاضرة فينا فعندما نحن إلى ماضينا أو تقع حادثة سرعان ما نسترجعها.
قبيل أيام قرأت خبر وفاة المناضلة الفلسطينية فاطمة برناوي في إحدى مستشفيات القاهرة، وإذا بي أترحم عليها واستعيد مع روحها الطاهرة معاني طفولتي وكيف التقيت بالفقيدة على الطائرة اللندنية عائدة إلى عمان. وقد أخذت تحكي لي عن قصة نضالها هي و زوجها من أجل فلسطين، وكيف سجنا وحرما من الإنجاب بعد خروجهما من السجن لكبر سنهما، وقفت لها في الطائرة احتراما وهي تجلس بجانبي وانهمرت دموعي وقلت لها هل أنا في حلم أن أجلس بجانب امرأة عظيمة مثلك. فرحت بي كثيرا وقالت لي بمثلك استبشرت خيرا بالاجيال القادمة.
كان جلوسها بجانبي مثل الحلم فكنت اسمع عن الأبطال من النساء ولكنني الآن عرفت واحدة منهن.
بقيت على تواصل معها فكنت اتلقى منها قصة كفاحها بينما كنت فتاة صغيرة لم تلوثها الأيام ولم تفتك بعقلها هواجس الإعلام الذي مع مرور الزمن جعل من القضية الفلسطينية قضة ثانوية مهمشة.
كانت مشاعري في ذلك الوقت شديدة البراءة ـ نشأت بأسرة كانت الام تحكي لنا عن فلسطين وحق شعبها، وأب غرس فينا القومية العربية حب الضعفاء ونصرة اهل الحق، وكانت الفتيات معي يقبلن على الاقتداء بالمطربين وقصصهم وأخبارهم، بينما كانت تستهويني قصص البطولة والفداء للعروبة.
كانت فاطمة برناوي تحكي تفاصيل رحلتها مع النضال الفلسطيني فأشعر وكانني أمام قصة بطولة حقيقية لنصرة وطن يضحي الانسان فيه بحياته لاستعادة وطن مسلوب قهرا.
وتواصل الفقيدة قصتها وإذا بمشاعري الجياشة أنذاك تتفق بالاحترام والتقدير وحب معاني التضحية والفداء.
وعند انتهاء رحلة الطائرة بقيت في عمان، واكملت فاطمة إلى الضفة، ولكنها فاجأتني باتصال هاتفي وتبادلنا الاتصالات لبعض الوقت حتى انشغل كل واحدة منا بظروفها الخاصة وضاعت أرقام الهواتف وبقيت ذكريات البطولة والنضال والطفولة الحية بداخلي.
فقيدة النضال فاطمة هي أول أسيرة في تاريخ الثورة الفلسطينية، حيث تم اعتقالها بتاريخ 19 اكتوبر 1967، لها السبق في خوض العمل الفدائي منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965، وهي أول فتاة فلسطينية تعتقلها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
والراحلة من مواليد مدينة القدس لأسرة مناضلة، بدأت رحلة نضالها بعمر التاسعة، حين انتقلت مع والدتها وأسرتها من القدس إلى مخيم للاجئين بالقرب من عمان. وقاتل والدها محمد علي برناوي في ثورة فلسطين 1936، برفقة الحاج أمين الحسيني، فبقي في فلسطين.
واعتقلت والدتها وشقيقتها في أعقاب تنفيذها للعملية الفدائية، فعرفن مبكرا مرارة سجن الاحتلال وذقن مشاعر الفقد والحرمان من الأهل.
واصلت فاطمة برناوي نضالها وشقيقتها ضد المحتل الغاصب، فاعتقلت عقب عملية فدائية وحكم عليها بالسجن مدى الحياة، ولكنها أمضت بالسجن عشر سنوات فقط بسبب تدخل الرئيس الراحل محمد أنور السادات لدى السلطات الإسرائيلية عام 1977.
ساهمت الفقيدة في استتباب الأمن الفلسطيني بعد قيام السلطة الفلسطينية 1994، فأسست الشرطة النسائية الفلسطينية بعد عودتها للوطن وكانت تحمل رتبة عقيد، ومنحها الرئيس محمود عباس، وسام نجمة الشرف العسكري، تقديرا لدورها النضالي الريادي وتضحياتها من أجل وطنها وشعبها.
وفاطمة بتقديري لم تمت، وانما تظل حية بقصة كفاحها ونضالها وتضحياتها من أجل تحرير وطنها، وكل مواطن تحتل ارضه ينبغي أن يكون في نضال مستمر مثل فاطمة لتحرير الارض والوطن والعرض والشرف، فهم ليسوا ارهابيين كما الصق الاعلام الغربي هذه الفرية على شعب فلسطين المناضل، بل هم وفي مقدمتهم «فاطمة» أبطال يستحقون منا كل الاحترام والتقدير.
(الراي)