حين ينقل الموظف مشاكل عمله إلى بيته، فلا بد بالتالي من أن يحمل مشاكله الخاصة إلى العمل ويهذي بها ، وأعرف من ينتظر أو تنتظر ساعات الدوام الرسمي لإنهاء جميع المكالمات الخاصة من المكتب وطرح المشاكل الشخصية لمناقشتها مع الزملاء وذلك بالتأكيد على حساب وقت المؤسسه التي يعمل بها ووقت زملائه الذين لا يفوتهم الاستماع إلى الأمور الخاصة التي تستجد، خاصة إذا كان نظام المكاتب مفتوحا يتيح للجميع مراقبة تحركات بعضهم البعض.
يضطر الموظف للبقاء داخل عمله ثماني ساعات حتى وان احتاج انجاز العمل الذي يؤديه إلى ساعتين أو ثلاثة فقط. فهل نتساءل كم من الطاقات تهدر والموظف حبيس جدران مكتبه ، وكم من الأعمال يتم جرجرتها وتأجيلها من ساعة إلى أخرى بدعوى أنها ستنجز اليوم ولا فرق إن كانت ستنجز بداية النهار أو في نهايته مايؤدي كثيرا إلى التكاسل وتأخير المصالح . في الحقيقة فإن العمل الذي سيقوم به الموظف ممكن انجازه بوقت أسرع لو أنه سيحاسب في نهاية الشهر بمنهجية الانجاز وليس بحسب ساعات الدوام الطويلة التي تستهلك الموظف وتقتل الدافعية لمزيد من العطاء في الوقت الفائض الذي يضطر أن يبقى فيه حبيس مؤسسته، فيقتله بالسواليف والنميمة والهواتف الخاصة وفناجين القهوة.
عند انتصاف النهار تبدأ القدرات الذهنية للموظف بالتراجع مع انتكاس في الحالة المزاجية وبعضهم يلقي بثقله فوق المكتب بما يذكرك بالأديب الدنمركي أبسن الذي كان يعلق ورقة إلى جانبه تحسبا لغفوة تداهمه أثناء الكتابة، كتب عليها : «أنا لم أمت بعد وإن كنت أبدو كذلك» !.
باستثناء الوظائف التي تقدم خدمة مباشرة للجمهور ولكي لا تتأثر عملية تلبية احتياجات المراجعين ، فإن قناعة تتشكل لدي أن العمل بنظام الدوام الرسمي لكثير من الوظائف عبء على المؤسسة مقارنة بما يستطيع الفرد أن يقدمه من عمل نوعي، وأقول ذلك بحكم تجربة شخصية وبحكم تجربة الكثيرين في العمل الجزئي لأكثر من مؤسسة حيث يتمكن الانسان من انجاز أعماله واتمامها بنوعية دون الحاجة إلى البقاء وراء مكتب لساعات عمل طويلة مرهقة ومملة.
العالم يسعى لإيجاد خطط جديدة لتأدية العمل لتقليص النفقات وعدم هدر الطاقات وتحسين نوعية الانتاج من خلال تشجيع العمل المتحرك الذي نؤديه بحرفية ونقدم فيه مخرجا نهائيا مهنيا حتى لو تمت تأديته من البيت فما يهم هو المنجز الحقيقي الذي لا يحتاج منا أن نتمترس داخل منشأة معينة دون انجاز فنثرثر ونؤجل العمل ثم نرهق بما فيه الكفاية وقد نضطر إلى تعليق ورقة تؤكد: أنا لم أمت بعد وان كنت أبدو كذلك!.