التغيرات المتطرفة هي التي تميز المرحلة الراهنة إذ نشهد انقلابات دراماتيكية في صيرورة الأحداث بطريقة تُفقد حتى الدول القوية الراسخة اقتصادياً توازنها، فما بالنا بالدول الصغيرة والفقيرة، وطبعاً دول المنطقة العربية في صلبها مع تفاوت مستويات تأثرها بهذه الأحداث وربما يكون الأردن واحدا من الدول التي تتعرض لتغيرات عاصفة في محيطه تفرض عليه مواكبتها والتعامل معها.
حيث سيضطر للتعامل مع أسوأ كوابيسه فيما يتعلق بدولة الاحتلال بوصول اليمين المتطرف الى السلطة بعد فرز نتائج الانتخابات الأخيرة إذ سيكون في مواجهة شخصين يحملان له كل الكره والضغينة بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وكليهما يتبنى مواقف شديدة التطرف تجاه الفلسطينيين والأردن، صحيح أن موقفهما يتعارض مع موقف البيروقراطية الأمنية الإسرائيلية والتي تنظر الى استقرار الأردن كمصلحة استراتيجية للدولة، إلا أن الديمقراطية لديهم تعطي الأحزاب الفائزة القدرة على اتخاذ قرارات ذات طبيعة استراتيجية وهذا الأمر سيدخل الأردن في دوامة الصراع من جديد مع هذه الأحزاب ومع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مما يجعل المرحلة القادمة مشحونة بالتوترات.
وفي العراق جرت انتخابات وبرغم أن الأحداث السياسية سارت عكس نتائجها إذ ادى الاستعصاء السياسي فيه الى جعل قوة الأرض وإيران تفرضان نفسيهما على قوة الصناديق مما أوصل الى سدة الحكم أنصار نوري المالكي وهؤلاء كانوا يعيقون أي تطور في علاقات العراق مع محيطه العربي بالذات الأردن فقد جعلوا مشاريع عديدة حبيسة الأدراج وعرقلوا جلسات طويلة من المباحثات والقرارات وجعلوها مجرد حبر على ورق فما بالك وهم الآن في سُدة الحكم بدون شك ستكون الأمور أكثر سوءًا، اللهم إلا إذا أدركوا بأن أحوال العراق لا يمكن أن تتحسن إلا بإعادة علاقاته مع العرب والأردن في مقدمتهم طبعاً وهذا مرهون بقدرتهم على الحصول على تنازلات من إيران وهذا مستبعد خلال هذه المرحلة طبعاً هذا الأمر قد ينسف او يؤجل كل الخطط التي بنى عليها الأردن آمالاً عريضة لبناء شراكة استراتيجية مع مصر والعراق.
ومرة أخرى الانتخابات اللعينة لكن هذه المرة عبر الأطلسي في الولايات المتحدة فهناك تجري انتخابات مصيرية قد تغير كل التوازنات وربما تعطي الأغلبية للحزب الجمهوري وهذا يجعل الرئيس بايدن منشغلاً عن قضايا المنطقة بالصراعات الداخلية عدا عن الحرب في أوكرانيا والأوضاع في أوروبا وهذا يضعف آمال الأردن في أن يستخدم الرئيس سلطاته وتأثيره على دولة الاحتلال لردع طموحات اليمين المتطرف فيها أو حتى استخدام الفيتو على دخول بن غفير للحكومة، والكارثي بالإضافة الى كل ذلك أن شبح دونالد ترامب يطل برأسه من نافذة الانتخابات الرئاسية القادمة وهذا بالطبع سيعزز موقف هذا اليمين بحليف من ذهب مما يجعل الموقف الأردني يسير على حبل مشدود وزلق في علاقاته الاميركية.
ولا يمكن نسيان تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا وتأثيراتها على الجار الشمالي سورية إذ اعطت إعادة التموضع الروسي هناك الأولوية في التأثير لإيران ومليشياتها مع كل ما يحمله ذلك من تبعات أمنية تهدد الأردن كون إيران ليست الصديق الودود حيث بدأت إرهاصات ذلك تظهر بكميات المخدرات الهائلة التي تعبر الحدود بالإضافة إلى محاولاتها خلق فوضى امنية في محاذاة الحدود الاردنية وهذا يفاقم العبء الأمني على الأردن.
إنها بيئة إقليمية ودولية موحشة مليئة بالعواصف والتغيرات الحادة والتي تحمل في طياتها مخاطر لا حدود لها والمشكلة أن مواجهتها تقتضي التسلح بوحدة داخلية صلبة تستند إلى إشراك الجميع في صناعة القرار بالإضافة الى ديناميكية اقليمية ودولية هائلة، لكن المشكلة أن العمق الاستراتيجي العربي للأردن موبوء بالخلافات وأصبحت متطلباته كبيرة وكذلك الحالة الدولية تمر بفترة ضبابية كمقدمة لمرحلة انتقالية تجعل السير فيها وإليها عسيراً إن لم يكن مستحيلاً، ورغم كل ذلك يمكن للبلد الذي ولد بين النيران أن يسير على الاشواك وبينها ولو قليلاً، ولكي يحصل ذلك لا بد من أن تتحقق بعض الشروط الداخلية كمقدمة للخلاص من هذه التحديات المصيرية.
"الغد"