هل يشترط في الأكاديمي فقه علم الإدارة؟
د. ايهاب عمرو
07-11-2022 06:13 PM
لعل التساؤل الذي يمكن أن يثور هنا يتعلق فيما إذا كان يشترط في الأكاديمي أن يكون لديه إلمام في علم الإدارة من عدمه.
ورب قائل يقول إن الأكاديمي لا يشترط فيه الإلمام بعلم الإدارة تأسيساً على أن العمل الأكاديمي يختلف عن العمل الإداري. وقد أتفق جزئياً مع ذلك، لكن عندما يتعلق الأمر بأكاديمي يدير الكلية ويقف على رأسها فعندها يشترط فيه الإلمام، على الأقل، بأساسيات علم الإدارة، لا أن يتصرف على طريقة (رجال الكاوبوي) في إدارة شؤون الكلية. وينطبق ذلك أيضاً على الأكاديمي الذي يقف على رأس قسم معين داخل الكلية ممن يتصرفون بشكل باطني في بعض الحالات.
ونقل لي زميل موثوق عمل في إحدى الكليات قبل عدة سنوات تجربة شخص عمل عميداً للكلية في احدى الجامعات العربية وأنه راقب، من منظور علمي، مدى قدرة ذلك العميد على إدارة شؤون الكلية كون أن الإدارة علم قائم بحد ذاته ومختلف عن العلم القانوني. ولاحظ ذلك الزميل، كما لاحظ زملاء آخرون، افتقاد عميد الكلية المذكور لأدنى أساسيات علم الإدارة، رغم أنه حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة دولة غربية مشهود لها في علم الإدارة، لا بل وتعد من أفضل دول العالم.
وسارت الأمور بشكل دراماتيكي داخل الكلية المذكورة نتيجة سياسات إدارية خاطئة تم اتباعها من قبل العميد المذكور، منها مثلاً طريقة معاملته السيئة للأساتذة العاملين داخل الكلية، والتي كانت تميّز بين الأساتذة الذين كانت تربطه بهم علاقة شخصية أو مهنية، وغيرهم ممن لا تربطه بهم علاقة شخصية، دون إعارته أي اهتمام للكفاءة العلمية، مرتضياً أن يحمل نفساً آثمة. كذلك، قيامه بتهديد بعض الأساتذة أنه في حال عدم قيامهم بأعمال إدارية تم تكليفهم بها فإن ذلك يشكل (خطورة) قاصداً تهديدهم بقطع مصدر رزقهم الوحيد، متناسياً أن قانون الرزق بيد الله وحده الذي قدر أقوات البشر عند بدء الخليقة. إضافة إلى طريقة إدارته للمقابلات مع الأشخاص المتقدمين للوظيفة، ما يشمل قيامه بإجراء المقابلات بشكل منفرد مع المتقدمين للوظيفة دون إشراك رئيس القسم، أو اختياره لأعضاء لجنة المقابلة وفقاً لتفصيل معين يواءم رؤيته ويسهل من مهمته، من أجل تعيين ممن يحسبون (من جماعته). ناهيك عن طريقة توزيع المساقات داخل الكلية دون أدنى مراعاة لمبدأ التخصص وتقسيم العمل، كتكليف أستاذ متخصص في القانون الجنائي بتدريس مساق في القانون المدني، أو تكليف أستاذ متخصص في القانون التجاري بتدريس مساق يتعلق بالقانون الإداري.
وقد تنبه الزميل المذكور إلى ضعف العميد المذكور من منظور إداري مبكراً، فانسحب بهدوء... ولسان حاله يقول: ما هكذا تورد الإبل يا حضرة العميد.
وثمة تجربة أخرى نقلها لي زميل موثوق عايشها عن قرب عندما عمل في إحدى الجامعات العربية، حيث وقف البعض من (زملائه وزميلاته) ضده داخل الكلية بشكل خفي مع قيامهم بتحريض بعض الطلاب والطالبات لتقديم شكاوى ضده ما مهد لمغادرته حفاظاً على سمعته وعودته للغرب حيث كان يقيم ويعمل قبل العمل في الجامعة المذكورة كونه من أصحاب العقول والمرحب بهم في الغرب.
ووصل الأمر حد تهديده بالملاحقة القانونية من قبل عميد الكلية في حالة قيامه بإثارة أي انتقاد علمي ضد الكلية والجامعة التي عمل فيها، ما يتعارض والأسس التي ترتكز عليها الجامعات الحديثة وأهمها الحريات الأكاديمية التي تعطي الأكاديمي الحق بإثارة أي انتقاد علمي وبنّاء ما من شأنه تسيير البوصلة نحو الوجهة الصحيحة.
وذلك يثبت مدى ضعف المنطلقات الفكرية لدى ذلك العميد الذي أحسبه نزل إلى الحقل الأكاديمي بواسطة "البراشوت" كونه تصرف كأنه في سلك عسكري وليس في حقل أكاديمي يحكمه نظام أكثر مرونة من تلك الأنظمة التي تحكم السلك العسكري.
خلاصة القول: أن الأكاديمي الذي يقف على رأس كلية معينة أو قسم معين يفترض فيه الإلمام بأساسيات علم الإدارة والحكم الرشيد، خصوصاً في ظل ارتباط الحقول ببعضها البعض، ما يساهم في إدارة الكليات بشكل علمي وعصري يتلاءم مع الاتجاهات الحديثة السائدة في الدول الغربية، خصوصاً بعد بزوغ ظاهرة العولمة، بإيجابياتها وسلبياتها، وإلا فإن قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه سوف يحكم تلك الحالة التي نتحدث عنها: دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر، وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.