حرب روسيا وأوكرانيا: فرصة أمريكا التي انتظرتها طويلا
سليمان بن غيث
07-11-2022 10:47 AM
منذ الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تآكلا مستمرا في قوتها العالمية، بينما ازدادت مكاسب روسيا والصين وتوسع نفوذهما، وحين كانت الولايات المتحدة غارقة في المستنقع العراقي ثم الأفغاني كانت الصين تتوسع وتتمدد في جنوب آسيا وأفريقيا، بينما ازداد النفوذ الروسي في المحيط السوفياتي السابق وفي الشرق الأوسط.
أما أوروبا، فقد أخذت تبتعد قليلا عن السيد الأمريكي، ووصل الأمر إلى حروب تجارية متبادلة بين الاوروبيين والامريكيين، واصبح حلف الناتو أقل جاذبية للقادة الاوروبيين لانتفاء الحاجة له، وكانت اوروبا تتجه شرقا شيئا فشيئا لمصادر الطاقة الروسية الرخيصة.
كانت امريكا تعيش أزمة حقيقة في تغزيز هيمنتها العالمية، حتى قرر بوتين غزو أوكرانيا، هنا أتقن الساسة الأمريكيون اللعبة، جعلوا أوروبا تعيش جحيم الحرب قبل وصولها، فالدول الأوروبية منكشفة أمام الدب الروسي، وليس لدى الاوروبيين مخرج نجاة سوى بإعادة الانضواء تحت المظلة النووية الأمريكية، وهكذا كان، خضعت جميع الدول الاوروبية لاملاءات السيد الأمريكي خوفا من الوقوع ضحية لنجاح روسي يلتهم اوكرانيا ثم يتمدد غربا نحو بقية أوروبا ، وبهذا الواقع السياسي المُربك حققت امريكا عدة أهداف استراتيجية كانت بأمس الحاجة لها، وهي:
- تعزيز حلف الناتو الذي يمثل أقصى درجات الهيمنة الامريكية على العالم، حيث استخدمت امريكا مظلة الحلف لكافة تدخلاتها العالمية في العقد الماضي.
- جر الاوروبيين للقبول بالهيمنة الامريكية ودعم التوجهات الامريكية العالمية بعد جنوحهم عنها فترة من الزمن.
- عقد صفقات اسلحة بعشرات المليارات من الدولارات مع دول اوروبا الشرقية، حيث تمثل قيمة هذه الصفقات أضعاف ما قدمته من دعم لأوكرانيا.
- استغلال حالة الهلع من روسيا (روسيا-فوبيا) لفرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد روسيا ووضع كافة العراقيل أمامها لتخرج من المنافسة العالمية على مركز القوة.
- ضرب قطاع الطاقة الروسي وقطع اوصال شبكة الغاز الروسية المتجهة لأوروبا، لتكون الولايات المتحدة البديل المناسب الذي يؤمن أوروبا بالغاز في الوقت الحالي.
- تعزيز التحالفات الامريكية مع بقية دول العالم، حيث اتجهت المزيد من الدول للحضن الأمريكي وعقدت صفقات أسلحة جديدة، فصانع القرار الامريكي استغل مناخ حرب اوكرانيا ليثير زوبعة من التخوف والترقب في اماكن عالمية اخرى مما دفع بالدول للدخول في موجة تسلح وتحديث عسكري كبيرة كانت مصانع الاسلحة الامريكية الكاسب الأكبر منها.
وهكذا ، استطاعات الولايات المتحدة استغلال الحرب الاوكرانية الاستغلال الأمثل، وستطول هذه الحرب، لأن أمريكا لا تريد لأحد أن ينتصر، وانما تريد ان تبقى أوروبا خائفة من الانتصار الروسي فتزداد تبعية لامريكا، وتريد ان تبقى روسيا خائفة من النصر الأوكراني لتستنزف قوتها بنفسها.
سليمان بن غيث/ كاتب وباحث في الشؤون السياسية.