لاكثر من اربعة عقود، كان هذا البرنامج الإذاعي المشوق يبث على إذاعة دمشق، والذي منذ بداية بث حلقاته حقق نسبة عالية في المتابعة والإستماع حتى يومنا هذا، ولعل السبب في نجاح هذا العمل يكمن في كونه يعتمد على عنصر التشويق بالإضافة الى أن جميع احداث الحلقات مستمدة من قصص حقيقية من ملفات القضاء السوري والعالمي، عدا عن الحبكة الدرامية والإخراج المبدع والتأليف المتقن وللشهرة الواسعة التي حظي بها هذا العمل الذي كان يلقى متابعة ليس فقط في سوريا، بل في العديد من الدول العربية، والذي شارك فيه معظم الفنانين، حصل البرنامج على عدة جوائز في المهرجانات والمسابقات عن فئة الأعمال الإذاعية الدرامية .
ولكن لم يكن عنصر التشويق هو العامل الاهم في نجاح حكم العدالة، بل إن الأسلوب الذي كان متبعا في إيصال الرسائل التوعوية التي كانت تتضمنها حلقات السلسلة، من أجل التحذير من مغبة إرتكاب الأفعال الجرمية وتبعاتها ونتائجها على الفاعل واهله اصدقاءه وكل من هم في دائرة حياته، هو العنصر الاكثر تأثيرا، بحيث كان جميع من يستمع للحلقة، يستشعر مشاعر الحزن والتعاطف مع المجني عليهم وشعور الإمتعاض والأسى تجاه الفاعل او المجرم .
فالقيم الأخلاقية التي كان هذا العمل يبثها عبر حلقاته باسلوب سهل ممتنع وممتع، لاقى إستجابة عالية لدى المتلقى، من خلال استعراض القصة من كافة جوانبها البوليسية والحبكة الدرامية، بحيث خلقت حالة من الوعي لدى الشرائح المختلفة من كافة الأعمار ومختلف الفئات .
كنت ارغب أن اسرد سبب إختياري لهذا الطرح ببداية مقالتي هذه، ولكني وجدت نفسي اكتب باسترسال عن هذا البرنامج كوني من متابعي سلسلة حلقاته منذ بواكير اهتمامي بموضوع الجريمة والعقاب وتأثيرها على المجتمع من منظور دور الإذاعات ووسائل الإعلام كافة.
ولعل من ضمن ما يميز هذا العمل أيضا نوعية القضايا التي يتناولها البرنامج، ومن ثم معالجتها عبر عرض حيثيات القصة او الجريمة ومن ثم مرحلة التحقيق وكيف أنه لا يوجد بما يسمى بالجريمة الكاملة، فدوما ما يترك الفاعل دون قصد خيطا يقود الى كشف خيوط الجريمة والوصول الى الفاعل لينال جزاءه، وإنتهاء ببث رسائل توعوية من خلال الجزء الخاص بمرافعة وكيل المغدور، لايصال رسائل هادفة بقصد نشر الوعي ولمكافحة الجريمة بكافة اشكالها ومسبباتها .
على النقيض من هذا البرنامج نشاهد بعض البرامج ونقرأ بعض التحقيقات الصحفية لبعض الإعلاميين، الهدف منها زيادة نسبة المشاهدات فقط ليس اكثر، بحيث يكون التركيز فيها مثلا على قضايا دون غيرها بهدف شد إنتباه المستمع او القارىء، وعادة ما يكون عرض هذه القضايا خالي من المضمون ومن الرسائل التوعوية الهادفة للحد من وقوع الجريمة .
ولربما نحن الآن في زحمة التطبيقات الإلكترونية أحوج ما نكون لإنتاج هكذا برامج بمستوى حكم العدالة للتصدي لكل محتوى لا يحمل اي فكرة وفارغ من المضمون .
"الدستور"