نتورط من حيث نعلم أو لا نعلم بهذه التصنيفات الاسرائيلية، فهذا رئيس وزراء اسرائيلي أرحم بالفلسطينيين من غيره، وهذا رئيس وزراء سيكون متشددا، ومتطرفا في كل سياساته.
هذه لعبة تافهة، لأن التورط في التصنيف الاسرائيلي، للتيارات الاسرائيلية الداخلية، ما بين يمين، ويمين متشدد، ويسار، وربما يمين اليسار، وليبرالي، ومتدين، لا تلغي ان الكل يتفق على ذات جوهر المشروع الاسرائيلي، وقد يختلف هؤلاء فقط، على نمطيات التنفيذ، لا المبدأ.
مناسبة هذا الكلام هذا اللطم والعويل في العالم العربي، داخل فلسطين، والاردن، ودول عربية، بعد فوز نتنياهو وتحالفه بهذه الحصة من المقاعد داخل الكنيست، والعرب يشعرون بالصدمة، وكأن الذين قبله كانوا ألطف على الفلسطينيين، برغم معرفتنا ان قصف غزة الاخير، والاقتحامات داخل المسجد الاقصى، والعمليات داخل الضفة الغربية، وتنفيذ الاغتيالات، جرى في عهد سابقيه، اي من يترحم عليهم بعض العرب باعتبارهم كانوا ألطف واكثر تفهما للظروف.
ربما على العكس علينا أن نقول بصراحة، ان وجود نتنياهو افضل، والسبب بسيط، هو ضرورة وصول المواجهة الى نقطة الفصل والكسر والتحدي، بحيث يكشف كل طرف عن وجهه بشكل كامل، وبحيث تتبدى قباحة اسرائيل، بأعلى درجاتها، وبدون ذلك، سيواصل العرب ملاعبة اي بديل لنتنياهو، باعتباره سيكون أقل وطأة عليهم، مع معرفتنا ان هذه مجرد لعبة تبادل كراسي، تستهدف نهاية المطاف ارضاء الاسرائيليين، وليس العرب او المجتمع الدولي بكل الوانه.
المفارقة ان الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948 يتم لومهم اليوم، من جانب البعض لكونهم شاركوا بنسبة منخفضة في انتخابات الكنيست، ويتم اتهامهم بكونهم أخلوا الساحة لنتنياهو وجماعته، بسبب عدم مشاركتهم كما يجب في الانتخابات، وهذا كلام مرفوض كليا، لان اهل فلسطين 1948 يتم لومهم في كل الاحوال، تارة لأنهم شاركوا بنسبة عالية وأوصلوا فلسطينيين الى الكنيست، وكأنهم يشرعنون الاحتلال، وتارة لأنهم ابتعدوا عن الرمال المتحركة التي تريد تحويلهم الى مجرد ناخبين عند الاحتلال، وكأن حسم السياسة الاسرائيلية بات في يد فلسطينيي 48، مع معرفتنا ان هناك تأثيرا لهم، لكنهم ليسوا اصحاب القرار في اسرائيل.
لوم الفلسطينيين مرتين، أمر مثير للغثيان، حقا، لأن من يريد لومهم مرتين، سواء شاركوا او ابتعدوا يريد طحن الفلسطينيين، في كل الاحوال، فهم الطرف القابل للطعن بسهولة ودون كلف.
المفارقة هنا ان سلطة اوسلو والرسميين العرب، لا يجدون اي حل او مقاربة للوضع، سوى التقلب بين المراحل الاسرائيلية، فهذا عنيف، وذاك اشد عنفا، وهذا يراعي العوامل الاقليمية والدولية، وذاك لا يراعي اي عوامل، فيما المشترك انهم جميعا يخدمون ذات المشروع الاسرائيلي.
ألا تلاحظون أن الرؤية العربية الوحيدة التي باتت متاحة اليوم، ليس لها علاقة لا بالحرب، ولا بالسلام، بل بمتابعة تقلبات السياسات الاسرائيلية، ونتائج انتخابات الكنيست، وتشكيل الحكومات في اسرائيل، من اجل بلورة موقف، ما بين التوجس كثيرا، او التوجس بشكل أقل؟
آن الأوان أن يخرج العرب من مركزية اسرائيل في ادارة الشأن الاقليمي، وهذا لن يحدث الا اذا جاءت حكومة اسرائيلية دون عمليات تجميل، تهدد مصالح المنطقة بشكل مباشر، ولا تراعي اي عوامل، ولديها الحد الاعلى من الوقاحة، بحيث يتم تصنيع الازمات، ودفعها الى الواجهة، ليتحمل كل طرف مسؤوليته، بدلا من التواري والاختباء وراء عناوين ملطفة تتحدث عن حكومة اسرائيلية ألطف من حقبة نتنياهو، وهذا الاختباء انتهازي ويعبر عن الضعف الشديد، وفيه اقرار ان العالم العربي لم يعد مركزيا، ابدا، وان المركزية التي تولد ردود الفعل في تل ابيب.
لا فرق أبدا بين مرحلة اسرائيلية وثانية، فالكل في كينونة الاحتلال يتفق على العناوين العامة، وقد يختلفون على التفاصيل، وهل يتم قتلنا بسرعة، أم ببطء، أو اقتحام الاقصى مرة او مرتين يوميا، او اقتحام جنين او جنين ونابلس، وهكذا نتقلب في نار الخيارات الاسرائيلية فقط.
لم يعد نتنياهو لأن نسبة مشاركة الفلسطينيين كانت اقل هذه المرة في انتخابات الكنيست، بل لأن كل العالم العربي، ضعيف، فيما عودة نتنياهو تعبر عن هوية المجتمع الاسرائيلي اولا واخيرا.
(الغد)