سياسات النبي محمد ﷺ في إدارة الأفراد وتنظيم العلاقات
د. عبدالله حسين العزام
04-11-2022 01:58 PM
يعد وصف الأمانة من مؤهلات الإدارة الناجحة للأفراد والمجتمعات فكان النبي ﷺ يلقب بالصادق الأمين، إذ كانت إدارة النبي صلى الله عليه وسلم لأفراد أمته شاملة لجوانب السلوك في الأقوال والأفعال والالتزامات بين القائد والاتباع وكان الإعداد يجري وفق السياسات الآتية:
1. سياسة التعليم والتدريب : إذ كانت سياسة النبي ﷺ في التعليم قائمة على التيسير والتبشير كما أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن النبي ﷺ ما خير بين أمرين قط إلا أخذ ايسرهما ما لم يكن اثما فإن كان اثما كان ابعد الناس عنه، كما كان ﷺ يحث اتباعه على الأخلاق الفاضلة والتفكير بمعايير الصحة والبطلان.
2. سياسة الرقابة والتقويم : فكانت التربية الأخلاقية في عملية التحول من المجتمع الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي، جهاز الرقابة على السلوك من خلال تحميل الفرد المسلم المسؤولية في إزالة الفساد من المجتمع حسب قدرته وطاقته، فقال الإمام النووي بهذا الصدد في شرح حديث النبي محمد ﷺ "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".. فبقلبه معناه فالكراهة بقلبه وليس ذلك بإزالة او تغيير منه للمنكر ولكنه هو الذي وسعه.
وقد بيّن النبي ﷺ مسؤولية الفرد في إصلاح المجتمع بما جاء في رواية الإمام البخاري أن النبي قال :" مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
فكان النبي ﷺ يتدخل بشكل مباشر في الرقابة والتقويم في المسجد ومواقع العمل وساحة المعركة، كما استخدم العقوبة التأديبية لتقويم الأخلاق والسلوك وإصلاح النفوس بالتانيب كما في قوله عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه" إنك امرؤ فيك جاهلية" فقد روى الإمام مسلم أن سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول ﷺ فقال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، فجذبه الأشعث بن قيس وقال "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم".
ويعني أدوا إليهم حقهم، فإنما عليهم ما حُمِّلوا يعني من الإثم والوزر والذنب بسبب التقصير والتضييع، وكذلك عليهم ما حملوا أيضاً من الأمانة وعليكم ما حُمِّلتم، يعني من الإثم أو التكاليف أو الأمانة فإذا ضيعوا ما عليهم وما قاموا بواجبهم فإن ذلك لا يكون تبريراً لتضييع الواجب الذي أناطه الشارع بالمكلفين من الرعايا.
3. سياسة الانتقاء والتوصيف: كانت إدارة الأفراد وتنظيم المجتمع على هدي الإسلام تتطلب إرادة جماعية وشعورا متناميا بالمسؤولية الاجتماعية، فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم بحكمة بالغة محاولات التعويق وأساليب القوى المضادة من اليهود والمنافقين والمبثوثين من المسلمين، فقد جاء في تفسير قوله تعالى: لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُواْ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ. القلوب الحائرة تبث الضعف في الصفوف والنفوس الخائنة خطر على الجيوش ولو خرج أولئك المنافقون ما زاد المسلمين قوة بخروجه بل لزادوهم اصظرابا وفوضى وفي المسلمين من يسمع لهم في ذلك الحين.
فالفتن دائماً في ذلك الحين كانت موجهة إلى شخص النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم في توزيع الصدقات، ومنهم من يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يستمع لكل قائل ويصدق كل ما يقال. و بناءا على ما سبق أثمرت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم في الإمساك عن قتل المنافقين التي ظهرت أحوالهم للمسلمين في المدينة نتائج مهمة في معرفة حقائق الأمور التي كانت تدري في المدينة، فلما كثر الداخلون في الإسلام واشتهر وفاء المسلمين بأمنهم وشاع من أمر المنافقين وخيانتهم، تحققت المصلحة في تهيئة المسلمين لجهاد كل قوم ينقضون عرى الإسلام وهم ييزعمون أنهم مسلمون. فاستوعب أبو بكر الصديق رضي الله عنه سياسة النبي ﷺ في إدارة الأفراد وتنظيم المجتمع وادراك ثمارها في البناء الفكري الحصيف للمجتمع الإسلامي.