تعديل الحكومة .. الإتصال بدل الإعلام
حسين بني هاني
04-11-2022 01:22 PM
يتذكر الأردنيون قديماً ،كيف كانت تجمعهم نشرة اخبار الثامنة على التليفزيون الاردنى ،قبل عصر المحطات الفضائية ،وكيف أصبحت تفرقهم هواتفهم الذكية الآن ،وبما تفيض به من معلومات وصور ،عبر مصادر مختلفة ومتعددة غثها اكثر من سمينها.صحّ هذا حتى أواسط تسعينات القرن الماضي ،حين فرض إعلام الفضاء العابرللدول معطيات جديدة قلّصت اعتماد المشاهدين والمستمعين على وسائل إعلامهم الوطنية إلى حدٍ كبير،في ظل تنافس بالصوت والصورة ،ضمن معطيات فنية مبهرة مزجت باحتراف عمليتي الإعلام والاتصال في آن واحد.
لم تدم سيطرة إعلام الفضاء المنفرد هذا طويلًا ،بعد ان أتاحت الولايات المتحدة للعموم ،أستخدام شبكتها العنكبوتية للإتصال في الأعوام الأخيرة من القرن المنصرم ،مما غير قواعد اللعبة الدولية للإعلام والإتصال ،وأدخل عليها عناصر جديدة ،توجت في العشرية الثانية من القرن الجديد ،باختراع الهاتف الذكي ،الذي أفرط الناس بإستخدامه وتناقلوا عليه ،كل ما يخطر في بال البشر من غثٍ وسمين ،رغم خلو بعضه من أية مسؤولية اخلاقية ،مما أربك صانع القرار ،وجعل كل فردٍ في المجتمع ،صانع محتوى الأمر الذي دفع الحكومات للاسراع في تنظيم مايجري افتراضيًا عبر هذه الشبكة ،واعتباره فعلًا إنسانيًا تشمله نصوص القانون.
نعرف جميعًا ان الاعلام بصورته التقليدية ،كان ولا زال مرتبطًا بتقنيات الإتصال ، وكان لوسائله الفضل في جعله مفهوما عصريًا ،بعد ان أصبح أصلًا وظيفة من وظائفه الرئيسية ،ذات الاتجاه الواحد ،بين مرسل ومستقبل، الا ان التواصل الاجتماعي اليوم ،شئنا ام ابينا بات منافسا له ،واحيانا اكثر تأثيرًا منه بين الناس ، كونه يعتمد على خاصية التبادل للآراء والمعلومات والأفكار ،خاصة غير المنضبط منها ،وبما يخرق القاعدة الذهبية المتعارف عليها عالميا ،في وسائل الاعلام الرقمية منها وغير الرقمية ،والتي تقول "ان الخبر مقدس وأن التعليق عليه حر"،مادام يلتزم بأحكام القانون.ولأن الإتصال أصلا عملية ديناميكية يجري أستخدامها بشكلٍ واسع ،لنقل معانٍ وقيم اجتماعية واقتصادية وسياسية ،بعضها متحللٌ من أية قيود وتخالف الأعراف والقوانين ،فقد ألحق هذا الأذى بالعملية الادراكية لدى الناس ،ونالت فيها عناصر الرغبة الشخصية ،بما يفهمه ويقبله الشخص من سلوك وتصرفات وآراء ،او حتى احتساب ردة فعل المتلقي واستجابته لما وصل اليه من معلومات او صور وأفكار ،يحدث ذلك أحيانًا رغمًا عن أرادة الدول في ظل هذا الفضاء الالكتروني الممتد واللامحدود، ناهيك عن قدرته الفائقة في التغرير ببعض الناس على القيام باعمال مخالفة للقانون.
يبدو ان مفهوم ومصطلح الإتصال أشمل ،اذا أريد تنفيذ حق الحصول على المعلومة مثلا ،في اطار تنظيم العلاقة بين ألدولة والمجتمع ،ناهيك عن إيصال الرسالة الرسمية ،عبر البوابتين حيث لم يعد التواصل حكرًا بين الناس فقط ، تاركًا الحكومة غائبة عنه،يقتصر دورها بين مرسل ومستقبل.
في ظل هذه المعطيات فان الحكمة تستوجب مواكبة مخرجات العصر التي لاتنتهي ،فقد بقينا مثلًا نحن الاردنيون نستمع الى إذاعة المملكة الاردنية الهاشمية ،وهي تؤذن فينا نخوة وطنية ،عقدًا كاملا من الزمن ،باعتبارها الوسيلة الإعلامية الوحيدة في حينه ،حتى عام ١٩٦٨ ، حين أطلّ علينا مذيع عبر الشاشة الوطنية ،مدشناً عصر الصوت والصورة ،واليوم وبعد ان أمتلك كل واحدٍ منًا محطته المتنقلة-الهاتف الذكي- وبالصوت والصورة أيضا ، فقد آن الأوان ان تتساوق وسائل الاتصال كلها ، المجتمعي منها والتقليدي ضمن منظومة قيمية متكاملة واحدة ،بل وضمن معيار واحد ، يسيرا جنبًا الى جنب ،باعتبارهما بوابة مشتركة للمعرفة ، تلامس مخرجاتهما حياة الناس اليومية ،وتمس بقوة شغاف قلوبهم ،وتحرك لامحالة وجدانهم.
أظن ان الحكومة تدرك جيدًا ،ان المرحلة تقتضي ان لا يطغى أحد من الاثنين على الآخر -الاعلام والتواصل الاجتماعي- وان تجعل كلاهما في أية تشريعات جديدة تفكر بها لتصويب الامر،وحدة واحدة يكملان بعضهما بعضا ،بعد ان تعذر بلغة العصر فصلهما ، هذا سيسجل لها في محراب الصحافة والاعلام ،اذا نجحت بأن تترجم هذا الاسم الجديد ، بنصوص لا تقيد الحرية،بل بحسن تنظيمها ،كي تقنع ناقل المحتوى ،ان يتحلى بالمصداقية ، وان يزن ما يصدر عنه بميزان الاعلام وقوانينه،او أن تكتفي الحكومة بما ورد في قانون العقوبات بهذا الخصوص ، عوض اللجوء الى قانون آخر ،صيغ في عتمة ليل بهيم ، لم ولن يستقيم مع مبادئ الحرية التي قال عنها جلالة الملك يوما بأن سقفها السماء ،أسمه قانون الجرائم الالكترونية.