رجال الأعمال في المغامرة السياسية
ياسر ابوهلاله
18-10-2010 02:44 PM
من نظريات المؤامرة الكلاسيكية أن رجال الأعمال في الغرب يؤثرون على السياسة. وأن أولئك يورطون بلدانهم بحروب ومواقف من أجل مصالح شركاتهم الكبرى. ومع أن ذلك غير صحيح إلا أن المؤامرة المزعومة تظل خيراً من واقع العالم العربي الذي زالت فيه الحدود بين رجال الأعمال ورجال السياسة وغدا العام في خدمة الخاص.
في الغرب لا يوجد رجال أعمال طارئون حققوا ثرواتهم من خلال صفقات مشبوهة، يوجد مجتمع صناعي تراكمت فيه الثروة عبر أجيال كدّت وتعبت وتعلمت وأبدعت. وتلك المجتمعات لفظت سياسيا فذا مثل توني بلير، الذي لم يستطع أن يقيم ندوة عن مذكراته التي تعد أكثر الكتب السياسية مبيعا، وعندنا من اقتاتوا على فتات بلير يتطلعون إلى التقدم في العمل العام.
في المال، لا يوجد ضبابية ولا مواربة. كل رجل أعمال عليه أن يقدم لناخبيه كشفا بكل قرش حصله. والأردن بلد صغير والناس تعرف بعضها جيدا. وبدلا من تقديم الرِّشى في موسم الانتخابات على من يريدون أن ينتقلوا من مربع العمل الخاص إلى مربع العمل العام أن يكشفوا كم أسهمت أموالهم في تحقيق التنمية. ليس من خلال تشغيل متعهدي الانتخابات وإنما كم ساهموا في تشغيل الأيدي العاملة، والمساهمة في محاربة الفقر ودعم التعليم.. وغير ذلك.
في لبنان ارتبط مفهوم "المال السياسي" بشكل أساسي برفيق الحريري. وعندنا لا يوجد حريري. فقبل رحيله درّس خمسين ألفا من مختلف الطوائف. هل يوجد رجل أعمال عندنا درّس 50 طالبا؟ وماكنة الحريري اشتغلت قبل دخوله السياسة وظلت بعد رحيله عن الدنيا.
وعندنا لم يحقق الإخوان المسلمون حضورهم بسبب "الصوبات" التي يوزعونها في موسم الانتخابات، وإنما بسبب عمل تطوعي شاق موصول منذ نشأتهم يخدم العامة لأهداف عامة. وجمعية المركز الإسلامي لم تموََّل من الاتحاد الأوروبي وUSAID، وإنما من أموال أهل الخير في الأردن والعالم العربي.
ربطُ الناس بشبكة مصالح مشروعٌ، غير المشروع هو ابتزاز الفقراء في موسم الانتخابات، وهذا قبل أن يكون جريمة في قانون الانتخابات هو سقوط أخلاقي، من المرشح والناخب على السواء. وقد أساء إلى مجلس النواب السابق، وكان من أسباب حله، وسيسيء أكثر إلى مجلس النواب القادم.
من أجل إعادة الحياة إلى السياسية لا بد من موقف صارم من "الرشوة السياسية"، فهي سبب أساسي في انخفاض حجم المشاركة ونوعيتها.
الصرامة لا تتوقف عند اعتقال ومحاكمة الراشين والمرتشين، بل تحتاج موقفا عاما تشارك فيه كل القوى المؤثرة حديثة أم تقليدية. من المدرسة يجب أن يتعلم الطلاب أن من يبيع صوتا أو يشتريه لا شرف ولا كرامة له، وفي المسجد يجب أن يتحدث الواعظ عن عقوبة شاهد الزور، وفي الإعلام يجب أن يشهر بتلك الممارسات القميئة..
من دون ذلك سوف يأتي مجلس أسوأ من سابقه. بوجود رجال أعمال فاسدين يغامرون بالسياسة لا نحتاج إلى مؤامرة خارجية.
yaser.hilala@alghad.jo
الغد.