لافروف في ديرتنا الأردنية .. يامرحبا
د.حسام العتوم
03-11-2022 09:51 AM
شخصية دبلوماسية ثقيلة ووازنة وحكيمة وعالمية مثل سيرجي لافروف الذي قرر أن يشد الرحال وطاقمه المرافق الدبلوماسي والسياسي الكبير وسط أزمة وحرب شرسة لبلاده روسيا الاتحادية مع غرب أوكرانيا والغرب الأمريكي بكامله ممثلا في حلف (الناتو) المعادي يستحق ويستحقون الترحيب، ولافروف لمن لا يعرف من دعاة السلام والحوار ولا يدعو لاستمرار الحرب التي فرضت على بلاده روسيا الاتحادية وجاءت على شكل عملية عسكرية استباقية تحريرية غير احتلالية وقوبلت بشن حرب غرب أوكرانية وغرب أمريكية واسعة النطاق وطويلة الأمد وعنيفة وبتمويل وصل إلى أكثر من 20 مليار دولار، وهو استنزاف للغرب أولا قبل استنزاف روسيا، وهو الهدف الغربي الدقيق والواضح والمعروف، وتحويل أوكرانيا لحائط مبكى من قبل الغرب بقيادة أمريكا مجرد مسرحية هدفها بعيد المدى ضرورة استمرار الحرب الباردة التي انطلقت نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بسبب تشكيل القطب الغربي الواحد المسيطر على أركان العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا ولوجستيا، ومهم بالنسبة للغرب السيطرة على سوق السلاح وسباق التسلح، والمعروف هو بأن روسيا الاتحادية حريصة في المقابل على التفوق العسكري التقليدي والنووي كل عشر سنوات وعلى حساب البنية التحتية الروسية التي تعاني مدنها من الدرجة الثالثة من سوء تعبيد طرقها الداخلية.
لن نسأل مبكرا لافروف ماذا يريد من الأردن، والضيف مرحب به وفقًا للعادات والتقاليد الأردنية والعربية ثلاثة أيام وثلث ومن دون سؤال، لكننا نعرف ونلاحظ فجوة في الملف السياسي بين بلدينا الصديقين الأردن وروسيا الاتحادية العظمى التي تقود عالم الأقطاب المتعددة منذ اندلاع أزمة كورونا عام 2019 أي قبل انطلاق العملية الحرب على غرب أوكرانيا وعلي روسيا بالوكالة من طرف الغرب الأمريكي عبر الأراضي الغربية الأوكرانية، والموقف الدبلوماسي الأردني مغاير للسياسي، ومن الممكن رصد لقاءات متكررة بين وزير خارجيتنا السيد أيمن الصفدي وبين وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرجي لافروف، ومثلها وسط الحرب الأوكرانية مع بيترو كإليبا وزير خارجية أوكرانيا، ووقف الأردن على الحياد ولم يعتبر نفسه طرفا في الحرب، ودعا بيان للخارجية الأردنية للحوار والسلام وضبط النفس والمحافظة على سيادة أوكرانيا على أراضيها، لكن تفاصيل الحرب وتفسيراتها من الجانب الروسي مختلفة تمامًا، وهي أي روسيا حركت عمليتها العسكرية إلى شرق وغرب أوكرانيا بعد تفاقم مظلمة وقضية سكان شرق أوكرانيا المحادين جغرافيا لروسيا والمتداخلين ديمغرافيا معها، ويجمعهما تاريخ واحد، وجلهم من الروس ومن الأوكران الناطقين بالروسية، ويحملون جوازات السفر الروسية، وتعدادهم وصل إلى سبعة ملايين إنسان، وإصرار من غرب أوكرانيا منذ انقلاب عام 2014 الدموي وطرد آخر حضور لروسيا في غرب أوكرانيا، وأقصد التخلص من روسيا هناك عبر إنهاء خدمات فيكتور يونوكوفيج آخر رئيس أوكراني موالي لروسيا، والتسبب في مقتل حوالي 14 ألف شخص شرقي أوكراني فقط لأنهم رفضوا الانضمام للنظام السياسي البنديري الغربي في (كييف)، وتعرضت (كييف – زيلينسكي) لضغوطات غربية مبرمجة لاشعال الثورات البرتقالية الملونه، ولرفض الحوار مع شرق اوكرانيا، ولرفض اتفاقية (مينسك 2015) التي كان من الممكن ان تضبط الأمن في أوكرانيا، وتحقق لها السيادة المطلوبة فوق أقاليمها الخمسة (القرم، لوغانسك، دونيتسك – الدونباس، زاباروجا، خيرسون) والتي فقدتها تباعا بإرتكاز موسكو على استفتاءات متتالية تحت رقابة دولية وبنتيجة مرتفعة لصالح روسيا.
وعلاقة الأردن بروسيا الاتحادية تاريخية منذ عام 1963 عندما بادر مليكنا الراحل العظيم الحسين بن طلال- طيب الله ثراه- بفتح قناة دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس نيكيتا خرتشوف، واستمرت محافظة على استقرارها، وتصاعد رسمها البياني في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني الميمون "حفظه الله"، ووصل حجم التبادل التجاري إلى نصف مليار دولار، وهو المحتاج لرفع نسبته المئوية إلى مليار دولار وأكثر، ولدينا في الأردن الكثير لتقديمه للجانب الروسي (السياحة الدينية والأثرية والزراعة والمأكولات العربية الأصيلة) ولدى الروس الكثير الممكن تقديمه للأردن وبلدهم غني بالحضارة والتاريخ أيضا، وبلادهم سياحية جميلة مثل بلادنا، وموقع الأردن الجيوسياسي هام بالنسبة لروسيا بسبب إطلالته على القضية الفلسطينية، ولوجود معاهدة سلام مع إسرائيل، وللعلاقة المتينة الأردنية مع الولايات المتحدة الأمريكية القادرة على المساعدة في فتح حوار سياسي ودبلوماسي مع روسيا الاتحادية في زمن ارتفاع ألسنة الحرب الأوكرانية، وسبق لجلالة الملك عبد الله الثاني أن لفت الانتباه لأهمية الوجود الروسي في سوريا لضبط حدودنا الأردنية في الشمال، وتأكيد آخر لجلالته بأن الرئيس بوتين صديقه، ويعرفه منذ عشرين عامًا، وبأنه يمتلك حوله قيادة قديرة، وفي مقدمتهم بكل تأكيد سيرجي لافروف (والكلام هنا لي)، والمطلوب الآن تنشيط الملف السياسي الأردني الروسي وبالعكس من خلال تبادل الزيارات الرئاسية رفيعة المستوى، خاصة وأن روسيا تجاوزت موضوع اعتراف الأردن بأحقية اقليم (القرم) لاوكرانيا، وتصويته لصالح الابقاء على الاقاليم الاربعة الاوكرانية ملكا للسيادة الاوكرانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمعروف بأن روسيا كدولة عظمى تمتلك حق (الفيتو) وسبق لها ان استخدمته بخصوص احقيتها بإمتلاك اقليم (القرم)، وهي قادرة الى استخدامه مجددا الى جانب الصين لإثبات احقيتها في الاقاليم الاربعة (لوغانسك، ودونيتسك "الدونباس" وخيرسون "وزباروجا).
والملاحظ اليوم هو جنوح روسيا الاتحادية اتجاه السلام في الموضوع الأوكراني أكثر من أي وقت مضى، وهو محور قوة وليس ضعف، وهي تعي بأن شعوب روسيا وأوكرانيا إخوة وجيران، والسلام بالنسبة لها هو تثبيت سياسة الأمر الواقع، فما تم ضمه من أقاليم خمسة لن تعود للسيادة الأوكرانية لا بالحرب ولا بالمفاوضات المتأخرة، وشعوب الأقاليم قالت كلمتها عبر صناديق اقتراع نزيهة، وليس تحت حراب البنادق الروسية كما يشاع في غرب أوكرانيا وفي الغرب، وما تريده روسيا هو وقف التهور بمصير أوكرانيا، والتجديف باتجاه الاستنزاف لروسيا وللغرب معا، والتوجه لتصعيد القتال الروسي- الأوكراني الغربي والغربي الأمريكي اتجاه حرب نووية، أي عالمية ثالثة مدمرة لا يحمد عقباها، والتي ستشكل كارثة حقيقية ومرعبة للبشرية جمعاء، والشعوب الروسية والسوفيتية كذلك متمسكة بالسلام وتقدمه على الحرب، ولهم من الحرب العالمية الثانية ونتائجها البشرية المرعبة خير مثال رغم النصر الكاسح على النازية الألمانية بقيادة أودولف هتلر عام 1945، ومقولة الروس والسوفييت "سلام ضعيف خير من حرب مدمرة" شعار شعبي يجول في بيوتهم.
لم يسمح وقت جلالة الملك عبد الله الثاني بزيارة (كييف) منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، ولا سفارة أردنية لنا هناك، وسفيرنا في تركيا السيد إسماعيل الرفاعي هو سفيرنا في أوكرانيا في عهد الرئيس فلاديمير ويلينسكي، والأردن من بين دول العالم المطالبة بضرورة تحقيق سيادة أوكرانيا على أراضيها، وصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مرتين لصالح أن يعود إقليم القرم لسيادة أوكرانيا وكذلك الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا مؤخرا عبر صناديق الاقتراع، وفي المقابل الزيارات الملكية لموسكو استمرت دون انقطاع منذ عام 2001، ولم توقفها غير ظرف كورونا والحرب الأوكرانية، والدبلوماسية الأردنية أبعدت الأردن من أن يكون طرفا في الحرب، وسيادة روسيا في المقابل شملت عدم السماح بالتطاول على حدودها وحتى على سكان الأقاليم الخمسة، وأحبطت قنبلة نووية أرادت (كييف) صنعها سرا، وقنبلة اخرى لها اطلقت عليها موسكو مصطلح (القذرة) منخفضة القوة، ومنعت تفجير محطة (زاباروجا) النووية، واكتشفت مبكرًا انتشار 30 مركزًا بيولوجيًا ضارًا انتشرت في الأراضي الأوكرانية، وعاقبت (كييف) على تفخيخ جسر القرم، وعلى الحاق الضرر بمشروع روسيا للغاز في بحر البلطيق، وثأرت لاغتيال الصحفية الروسية داريا غودينا، وذلك عن طريق قصفها والمدن المجاورة حتى لا تكرر غرب اوكرانيا الخروج عن اخلاقيات الحرب.