أعرف أنّ العمر يمضي ..وأعرف أن كل شوط تقطعه هو على حساب صحتك و أحلامك ..و أعرف أنك تمارس الانتظار لأنك لا تملك خيارًا حميدًا غيره ..و أعرف أنك تتألم وأنت تنتظر ..و أنك تشقى بجمرك المقبوض عليه براحتيك .. وأنك تفضّل هذا الاحتراق بالانتظار على كل دنيّة قد تُعطيها ..فكل ما تسعى إليه هو (وقفة العزّ) دون أن تغالي أو تغتال أو تختال ..فأنت ابن زمانك ولكنك وضعتَ نفسك في قدرٍ على نار و صببتَ الماء كي تنقّي عنك شوائبك ؛ بيدك لا بيد زمنك الذي تتلملم فيه اللواقط و السواقط.. أعلم وأعرف و أفقه كل هذا و أكثر..
وأعلم أنك تنتقل في صيغة الكلام منك إلى الآخر ..كي تتوسّع في مجال الشطح و النكاية و الصعلكة ..و أنك حين تريد أن تنتهي حالة الانتظار هذه فإنك قادر عليها و بلحظات ؛ ولكنك تخاف أن تنتهي معها (كمشة) من مبادئك التي تقودك إلى اللذة التي لا يعلم عنها أحد أو لم يجربها أحد ..اللذة حين تؤوي إلى نفسك هي كنزك و قناعتك و سعادتك ..حين تراجع جردة حسابك فترى ربحك لنفسك وإنك لم تخسر اليوم كثيرًا منها بل إنك زدتَّ عليها من زاد الانتظار الجميل ..
حسبك أنك تثق بالله ..و أنت تنتظر لأنك تربط هذا الانتظار بالله الذي لا يخيّب أحدًا ينتظره بصدق و إيقان ..لأنه يعلم أنك لا تنتظر ذهبًا وفضة من مطر السماء ..بل تنتظر ألا يكسرك الجوع وألا يقعدك المرض وألا يشمت بك الواقفون لكل عباد الله بسهام الكراهية و الحقد لأنهم فقط لم يبلغوا لذّة الاجتماع المغلق مع النفس ..ولأنهم يجعلون من الطمع و الحسد ديدنًا لهم يغلبهم و لا يتغلبون عليه ..!
ابقَ على انتظار ..فالله لن يخذل من يقف على باب من أبوابه ..ولن يصدّ عن دعوة مليئة بالدموع و اللذة و الثبات ..
(الدستور)