لا يمكن الولوج في قراءة التعديل الحكومي الاخير, من بوابة الرقم والدلالة الرقمية, فهي لن تنصف الحالة السياسية, ولن تفضي الى قراءة صحيحة, بحكم ان ثلاثة تعديلات على مواقع وزارية جاءت استجابة لمسؤولية اخلاقية وليست لاختلال سياسي او اجرائي من الوزراء المُغادرين لمواقعهم, وربما لو كان الظرف الوبائي مغايرا لما حدث اصلا ما حدث مع ثلاثة وزراء, ومن اجل التأصيل السياسي والقراءة الواعية, فإن هذا هو التعديل الثاني على حكومة الدكتور بشر الخصاونة, والذي يحمل شكل التفويض الجديد لحكومته لتنتقل من حكومة مهمات تنفيذية الى بر?مجية تنفيذية, تعتمد على مقدرتها في التشبيك الواعي بين اركان النهضة الشاملة في المئوية الثانية, تحديث سياسي ورؤية اقتصادية وتطوير القطاع العام.
ملف التحديث السياسي جرى انضاج بيئته التشريعية والقانونية, والمطلوب توفير البيئة اللازمة للحراك الحزبي بوصفه العنوان العام للقادم, وهذه مهمة الهيئة المستقلة للانتخابات بشكل رئيس فيما مهمة الحكومة توفير الدعم للهيئة لانجاح مهمتها, وكذلك فتح باب الحوار والتشارك مع مجلس الامة بشقيه النيابي والعيني, وهذه مهمة جرى ايكالها لوزير اقرب الى السياسة منه الى التكنوقراط, واذا ما نجحت الحكومة في اصدار نظام عصري للعمل الحزبي داخل الجامعات, فإن الرسالة ستكون شبه مكتملة, ولذلك جاء التعديل على المستوى السياسي موائما لحجم ال?ور المُناط بها, فالدور الاوسع للهيئة والمجتمع في الملف السياسي, وليس للدور الحكومي, حتى لا ينجرف العقل العام نحو غياب السياسي عن التعديل الحكومي فهو كان حاضرا بحجمه المطلوب.
في ملف الرؤية الاقتصادية, كان التعديل الحكومي اكثر وضوحا, بل ربما هو الدمغة الاساسية للتعديل, فالاستعانة بثلاثة رؤساء لمحاور من محاور الرؤية الاقتصادية, داخل الفريق الوزاري يعني ان رئيس الحكومة التزم بما قاله في كلمته امام الملك في حفل اطلاق الرؤية, فهو يتحدث عن الممكنات الوطنية, دون اغراق في الوعود التي تمتلئ بها التصريحات الرسمية, فوزيرة التخطيط لاعبة رئيسة في الرؤية وكذلك الدكتور عزمي محافظة الذي قاد محور التعليم وخلود السقاف التي قادت محور الاستثمار, وكلها اسماء تحظى باحترام وثقة الخبراء والشارع السياس? والشعبي, فنحن نملك المقدرة على انتاج الكفاءات اذا ما ضبطنا التعليم بمساراته الثلاثة, الاكاديمي بشقيه المدرسي والجامعي وربطناه منهجيا مع التقني والمهني, ونحتاج الى تخطيط سوي يضمن السير فيما ينفع البلاد والعباد, من خلال الاقتراض او توجيه المنح, والاستثمار الذي يعني تنشيط القطاع الخاص ودعمه وجذبه, وهذه ممكنات وطنية بالكامل.
تطوير القطاع العام كان حاضراً, وبما يشبه المناورة بالذخيرة الحية, لفحص الخطة على ارض الواقع, فكانت البداية بربط الاشغال والنقل والصناعة والتجارة بالعمل وظهور وزارة الاتصال, وكلها مربوطة على جهاز فحص اجرائي, بانتظار ما ستقوله التجربة العملية ومخرجات الحوار الوطني الشامل الذي اوكلته الحكومة الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي كبيت للخبرة الموثوقة, ويقود الوزارات شخوص من ذوي الكفاءة والمعرفة والسمعة الطيبة, وافرد الرئيس نائب لرئيس الوزراء لقيادة هذه المهمات الصعبة, وهو كان على تماس مباشر مع الرؤية الاقتصادية وفي ?لب تطوير القطاع العام, اي ان طبخة التعديل وان ظهرت بسرعة بعد الاذن الملكي, الا انها مطبوخة جيدا في ذهن الرئيس الذي كان ينتظر الاشارة الملكية للتنفيذ والانطلاق.
التعديل الثاني يمتلك نسبة عالية من النضج ليس من حيث الاسماء والمهمات فقط, بل من حيث القياس للاداء والتدخل السريع لتصويب المسار, فهو وربما للمرة الاولى يجمع فريقا اقتصاديا منسجما, بل ربما من نفس المدرسة الاقتصادية الوطنية, لاسقاط الحجج عن التضارب في الرؤى والافكار, وكذلك ارسال الاشارات القوية عن تمكين المرأة فهذه اول حكومة تضم خمس سيدات من رحم العمل العام وليس على شكل اكسسوار فهن خبيرات في مجالهن العملي والخدمي, مع بقاء وزيري الطاقة والمياه في مواقعهما مما يعني الحفاظ على مسار العمل المطلوب في الناقل الوطني?والتعدين والطاقة التي قطع الاردن فيها شوطا مميزا, الفريق اكتمل والتفويض الجديد صدر وبقي على الحكومة التنفيذ والسير بقوة وسرعة ووقار.
omarkallab@yahoo.com
الرأي