خطوة في الاتجاه الصحيح ما قامت به الحكومة من استحداث لمنصب وزير الاتصال الحكومي عوضا عن وزير الدولة لشؤون الإعلام، فهذا فعلا ما تحتاجه في سعيها لتطوير أدواتها لمخاطبة الرأي العام والتأثير في توجهاته وتعزيز الثقة مع أطياف المجتمع حول خططها ومنجزاتها، والأهم تفاعلها وتعليقها على الأحداث، على أن يتبع الأمر آليات تطبيقية تجسد معنى الاتصال الحكومي، وألا يقف الأمر عند مجرد تغيير مسميات وهيكلة هنا وهناك.
والأهم في كل ما تقدم فهم الكوادر الحكومية الحقيقي، على مختلف المستويات، لأهمية الاتصال الحكومي عند وضع الخطط والاستراتيجيات، وما يأتي بعد ذلك من أدوات تنفيذية ومتابعة، بحيث تكون الرواية الرسمية متصلة ومتماسكة ومتناسقة عبر مسار زمني معلوماتي محدد بكل شفافية من اليوم الأول، وليتم إطلاع الرأي العام على ما يستجد من أحداث خطوة بخطوة وعدم ترك فراغ تتسلل منه الإشاعات وعقليات التشكيك وتضارب الروايات التي تؤثر سلبا على صورة الحكومة وتستنزف رصيدها لدى الجمهور.
والأمر يتطلب إيلاء جميع الوزراء، والمؤسسات التابعة لوزاراتهم، الأهمية اللازمة لإنجاح مهمة وزير الاتصال الحكومي وفريقه، خصوصا الناطقين الإعلاميين، عبر توفير المعلومة الصحيحة الشاملة لإيصالها للرأي العام بالمضمون والتوقيت المناسب وبشكل استباقي لأي مصادر أخرى. فالاستباقية هي أساس العمل الإعلامي الحكومي الناجح والقادر على كسب الرأي العام لصالحه.
كما لا بد من الاعتماد أكثر على أدوات التواصل الاجتماعي لإيصال الرؤية الحكومية لأكبر شريحة ممكنة من الجمهور، بحيث يتم التصريح والتعليق على الحدث أولا بأول عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالحكومة، نصا وبالصوت والصورة، على أن يتبع ذلك ملخصات إعلامية للحديث بإسهاب واستفاضة.
وهنا فلا بد من تفعيل مبدأ تنظيم ملخص أو مؤتمر صحفي يومي يقوم وزير الاتصال الحكومي بعقده عند ساعة محددة لوسائل الإعلام والصحافة للإجابة عن استفساراتهم، على أن يرافق الأمر، وفق الحاجة، وجود وزراء آخرين للتعليق على الإنجازات والأحداث الخاصة بوزاراتهم، وقد يشمل الأمر ترؤس رئيس الوزراء نفسه المؤتمر الصحفي مرة شهريا، فقد تكون هذه أنجع الوسائل لظهوره الإعلامي بحيث تكون الفرصة سانحة لجميع وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، وليس وسيلة محددة، للتواصل معه. وقد تكون أيضا منصته لإطلاع الجمهور على ما يستجد من إنجاز بخصوص الإصلاح الاقتصادي ومنظومة تحديث القطاع العام لحكومته، وهما معا بوصلة نجاح عمل الحكومة مستقبلا.
وبناء على ذلك، فيجب إيلاء الوزراء أنفسهم أهمية أكبر للتواصل مع وسائل الإعلام من خلال، مثلا، تخصيص ساعة معينة يوميا للرد على استفسارات الجسم الإعلامي، ويمكن هنا الطلب من وسائل الإعلام والصحافة توجيه الأسئلة قبل وقت وجيز ليتسنى للوزير المعني الحصول على الإجابات من الدوائر المختصة في وزارته، ما يعزز من مصداقية الاشتباك الإعلامي.
وهذا يقودنا، في المجمل، إلى ضرورة صياغة رسائل إعلامية موحدة ومحددة للحكومة مع تثبيت مصادر معينة للتصريح، فلا يعقل أن تتضارب التصريحات الحكومية، خصوصا عند الحديث عن الأرقام، فقد شهد المواطن في أداء ما مضى من حكومات ووزارات، وفي مناسبات عديدة، تضاربات وضعته في حيرة من أمره أي الروايات يعتمد.
الأفكار عديدة، لكن الحكومة تدرك قبل غيرها، أهمية تعزيز الثقة مع الرأي العام، والتي تآكلت عبر حكومات متعاقبة نتيجة عوامل عديدة، أبرزها افتقار المسؤول، في كثير من الأحيان، إلى الحس الإعلامي والرسالة واختيار الوسيلة الأنسب، وقد يكون في نهج الاتصال الحكومي الجديد فرصة لرسم سياسة إعلامية حكومية متقدمة وقلب المعادلة لصالح الرواية الرسمية في عقول الناس، وكل ذلك طبعا شريطة توفر متطلبات العمل المهني الجاد وفق معايير لقياس الأداء والنتائج.
فالتأثير في الرأي صناعة لا يتقنها إلا المختصون القادرون على قراءة المزاج العام والتنبؤ بميوله واستخدام الرسائل الاتصالية المثلى مع وجود أدوات لبناء التأثير ومحفزاته في نهاية المطاف، خصوصا أننا نعيش زمن الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عوامل عديدة أخرى، وإن غدا لناظره قريب.