إن مفهوم إستخدام السلاح النووي هو المتعارف عليه بالخيار النووي وهو إستخدام هذا السلاح من قبل الدول النووية التي تملكه عالمياً وعددها تسع دول مرتبة حسب مخزونها وعدد الرؤوس النووية كالتالي: روسيا, الولايات المتحدة, فرنسا, الصين, المملكة المتحدة, باكستان ,الهند ,إسرائيل وكوريا الشمالية, ولكننا في هذه المقالة سنتطرق إلى خيار نووي بمفهوم آخر والذي يُعرف أيضاً بالخيار النووي والذي قد يؤدي إضطراباً في الأسواق المالية العالمية وهذا ما سنتحدث عنه في هذه المقالة.
أصبحت قيمة الإستثمارات العالمية نهاية عام 2021 في أُذونات وسندات الخزانة الأمريكية 7739 مليار دولار , والتي تصدرته اليابان ب1300 مليار دولار ثم الصين في المرتبة الثانية 1070 مليار دولار وثالثاً المملكة المتحدة ب 647 مليار دولار , ورابعاً إيرلندا ب334 مليار دولار ثم لوكسمبورغ خامساً ب 323 , وأتت دول الخليج بالسعودية أولاً ب119 مليار دولار ثم الكويت ب45 مليار دولار والإمارات ب45 مليار دولار.
إن التوترات الأخيرة العالمية بين الولايات المتحدة مع الصين نتيجة الأزمة التايوانية ومع السعودية نتيجة قرار أوبيك بلس الأخير تخفيض إنتاجها بمقدار مليوني برميل نفط يومياً للحفاظ على سعر النفط مرتفعاً في ظل أزمات الإقتصاد العالمية من جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية , وما نتج عنهما من إرتفاع في أسعار الوقود والأسعار, جعلت هذه الدول وخصوصاً الصين والسعودية تفكران جدياً لا وبل تهددان الولايات المتحدة ببيع الديون الحكومية الأمريكية والتي تُعرف بسندات الخزانة الأمريكية التي تستحوذان عليها كسلاح لمواجهة الضغط الأمريكي وتهديداته.
حدوث هذا البيع على نطاق كبير لكل من السعودية والصين, عادةً ما يُطلق عليه ب "الخيار النووي" سُيزعزع إستقرار أسواق المال العالمية ويدفع أسعار الفائدة للصعود عند تغيير مالكها مما يزيد الضغط على الحكومة الأمريكية ,في الوقت الذي يُعاني منه الإقتصاد العالمي من الركود التضخمي وإنزلاقه نحو الكساد في الأعوام القادمة.
كل ذلك سيؤدي ذلك إلى تهديد وضع الدولار العالمي الذي يعتبر الأكثر إستخداماً في التجارة العالمية والمعاملات المالية واحتياطات البنوك المركزية للدول , فخلال الثماني وسبعون عاماً الماضية وبالتحديد عام 1944 وبعدالحرب العالمية الثانية تبنت الدول المشاركة في إتفاقية "بريتون وودز"إعتبار الدولار الأمريكي العملة الرسمية للإحتياطي النقدي والذي لا زال ليومنا هذا حيث يشكل الدولار من أصل 12 ترليون من العملات الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم في نهاية العام 2021 المنصرم ما نسبته 59% , أما اليورو الذي تتداوله 19 دولة أُوروبية يشكل 20% من تلك الإحتياطيات ويتبعه الين الياباني 6% ثم الجنيه الإسترليني 5% وأخيراً الإيوان الصيني بإقل من 3% .
إن قراءات الإقتصاد الأمريكي غير مطمئنة , حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية 20.5 ترليون دولار ,أما الدين العام فبلغ 30.29 ترليون دولار, في حين بلغ العجزالمالي لعام 2021 مبلغ 860 مليار دولار(عجز الصادرات عن الواردات) , وللإضافة زاد دين الولايات المتحدة آخر 5 سنوات 8 ترليون دولار حيث كان لجائحة كورونا نصيباً أكبر منه(الإحصاءات الأخيرة لوزارة الخزانة الامريكية) ,وما أثر سلباً أن العجز التجاري مع الصين بلغ 65% ,إضافة الى أن مؤشرات الدين الخارجي 1.07 ترليون دولار للصين أذونات خزانة امريكية.
لذلك وجب على الولايات المتحدة أن تكون أكثر إتزاناً مع حلفائها وبقية الدول التي تدين لها من خلال شراء السندات منها وخصوصاً منافستها الأولى على التربع على عرش الإقتصاد العالمي وهي الصين , لأن أي إغراقات وبكميات كبيرة في هذا الوقت لبيع السندات , مع وجود أحلاف البريكس وشنغهاي والتفكير الجاد بإيجاد بديل عن الدولار في التعاملات النفطية والتجارية كافٍ للإطاحة بعرش الدولار .
وبالنهاية أتوجه إلى الدول العربية بتنويع السلة الاستثمارية الخاصة بهم لان الرؤيا للدولار غير واضحة وهو أن يكون لهم جزء من الاستثمارات والأصول في الدول العربية وخصوصاً المستقرة سياسياً عن طريق إستثمارات وايداعات ومساهمات بأصول إستراتيجية وسيادية , وهذا ما قاله ولي العهد السعودي سابقاً : " أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط خلال الخمس سنوات المقبلة ", فهل تفعلها السعودية قبل الصين وتسترجع ما قيمته 219 مليار دولار من سنداتها في الخزانة الأمريكية وتضخها في منطقة الشرق الأوسط؟
*الخبير والمحلل الإستراتيجي في المجالات السياسية والأمنية والإقتصادية والتكنولوجية.
mhaddadin@jobkins.com