قدمت لنا محطة المملكة حلقة من برنامج يقدمه السيد عامر الرجوب، والموسوم "صوت المملكة" حلقة عن الطلاق وهل هو مرتفع في الأردن، شارك فيها الشيخ والمحلل الاحصائي والخبير الاجتماعي، وكلهم قدموا كلاما علميا مفيدا (وخاصة الشيخ العمري) وتحليلا مفيدا، والخلاصة يمكن ان نقول استنتاجا مما قدمه الافاضل المشاركون في الحلقة أن نسبة الطلاق بارتفاع بسبب القبول بالاطلاق، وبسبب الفقر وتراجع الدخول، وتراجع الرغبة في الزواج وهمومه.
وفي تصوري أن هذه القضية تصب كليا في ما يمكن أن تسميه "الامن الاجتماعي" ولو عرض هذا الأمر على الاجهزة التنفيذية، فلا تعجبوا في هذا الزمن أن نسمع منهم من يقول مقترحا لحل هذه المشكلة "أحسن طريقة لمنع الطلاق هي منع الزواج" ويصدر بعد ذلك "فرمان" وفق أمر دفاع يمنع الزواج والأسباب المبررة لهذا القرار هو الحفاظ على الأمن الوطني وتنمية التماسك الاجتماعي، ومنع انجاب اطفال لأسرة مفككة تنتهي مسؤولية رعايتهم إلى الأم التي لن تجد عملا بنسبة 86% لأن عدد النساء العاملات في الأردن لا يزيد عن 14% من مجموع النساء في سن العمل، او ما يقارب 7% من مجموع القوى العاملة.
ويعقد مؤتمر صحفي بعد ذلك لتبرير القرار، ويعلق عليه في اليوم التالي من قبل البعض أنه قرار حكيم، ومن قبل البعض الآخر بأنه قرار قاس ويدفع الشباب للهجرة للزواج في دول تقل بها المهور، وتندر بها الحفلات باهظة الكلفة.
هذا التصوير الكاريكاتيري قد يبدو مادة لفصل فكاهي من فنان كوميدي يؤمن أن الكوميديا هي عمل في منتهى الجدية، وإن القي بظلال ساخرة عليه ليتمكن الناس من ابتلاعه وهضمه، ولكنه يحصل، وكلفت قاعدة مخالفة القاعدة "ما لا يدرك جُله، لا يترك كله" الأردن ملايين الدنانير..
لقد قامت السلطات الأمنية في فترات القلق الاقليمي والخشية على أمن الاردن من وضع قوائم سالبة تشتمل على دول يمنع دخول مواطنيها إلى الأردن لأي غرض كان مثل السياحة او التعليم في الجامعات او للاستشفاء والعلاج في المستشفيات.
وهذا القرار ساهم في حماية الأردن من الاحتمال أن يكون واحد في المئة من هؤلاء الزوار هم من أهل الفتنة او اهل الارهاب، ولكن هذه القرارات الشمولية قد فوتت على الأردن وقطاعاته السياحية والطبية والتعليمية والتدريبية والاستثمارية بملايين الدنانير.
لا أحد يستطيع التقليل من دور الأجهزة الأمنية والجيش العربي المصطفوي في حماية الحدود، خاصة الشمالية، ولا أحد يمكنه ان ينكر الدور الاجتماعي الذي يقوم به رئيس هيئة الاركان ونشامى الجيش العربي من جهود لايصال الخدمات والاسناد الاجتماعي لقبائلنا وعشائرنا في المحافظات المختلفة، ولكن بات المطلوب منهم أن يراجعوا اجراءات المنع والقوائم السالبة للدول، ونتحمل بعض المخاطرة من أجل أن تصبح المشروعات القائمة، والتي يمكن أن تقوم في قطاعاتنا واهدافنا الاقتصادية الاساسية أكثر يسرا وسلاسة خاصة في مجال العلاج الطبي، وطلاب الجامعات والكليات، ومجال الاستثمار، ومجال السياحة.
هنالك اجراءات كثيرة يمكن اتباعها من قبل الجهات الأمنية المتميزة مثل التنسيق الأمني مع الدول، والوسائل الالكترونية الحديثة للتعريف بالاشخاص والمراجعة غير المرئية، وكلها وسائل تستخدمها الدول التي يأتي اليها عشرات الملايين من السياح والتجار والعمال والخبراء والمستثمرين، ولا يحصل فيها حوادث مخالفة للأمن إلا بقدر بسيط يمكن معالجته.
البلد بحاجة الى الاستفادة من قطاعاتها الواعدة، والانتقال بمعادلة الأمن والنمو من معادلة الصفر إلى معادلة الفوز للجميع، ومنع الزواج ليس خير وسيلة لمنع الطلاق، بل هو أسوأها، وصدق شوقي حين قال "وأخف من بعض الدواء الداءُ".