لتكن دولة يهودية .. ولكن حسب قرار التقسيم 181/1947
د. سحر المجالي
16-10-2010 05:54 AM
شكل صدور القرار المشؤوم لتقسيم فلسطين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 تشرين الثاني 1947، والذي حمل الرقم 181/1947 ، بادرة كارثية وسنة غير حميدة لتأسيس الدول والكيانات السياسية. فحسب إتساق المنطوق التاريخي والطبيعي لتأسيس الدول،وبناءً على نظريات علم السياسة ، فإن الدول تتكون على أساس معايير أساسية ، تبدأ من الإقليم الجغرافي فالشعب ثم السيادة التي تمثلها حكومة معبرة عن آمال الشعب وطموحاته. كما لا يجوز أن يأتي تأسيس الدول بشكل مفاجئ، أو بقرار خارج إرادة الشعب، وإنما يجب أن يتسق تأسيس الدول مع التواصل التاريخي والتداخل الوجداني بين الشعب والأرض، ولفترة تاريخية قد تتجاوز عشرات القرون.
إلا أن ما حصل في 29 تشرين الثاني 1947 لا يخرج عن إطار صفقة مشبوهة بين كل من لا يملك ومن لا يستحق، تمثلت بأخطر عملية تزوير للتاريخ، وتجاوز على الحقوق وإعادة كتابة الأحداث بحروف تقطر إمتهان للكرامة وتجافياً للحقائق وقفز على الأعراف والتقاليد والشرائع والقيم الإنسانية.
فالأمم المتحدة، ومن منطوق المادة الأولى من ميثاقها، ليس من صلاحيتها التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب ، بل أكدت في مبادئها على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهذه أول ثغرة في قرار التقسيم المشار إليه أعلاه . فما حصل يمثل تدخلا سافرا من قبل الأمم المتحدة في إرباك مصير الشعب الفلسطيني الذي تواتر على التفاعل مع أرضه لآلاف السنين، كما كان هذا القرار نقطة انطلاق كارثية لتشريد شعب واغتصاب أرضه، وخلق مشكلة سياسية- حضارية لمنطقة آمنة، ما زالت تعاني منها منذ عام 1948 حتى اليوم.
وبالرغم من رفضنا المطلق لهذا القرار المجحف والباطل وغير المشروع، والذي لم تقبل به أجيال الأمس، و قطعاً لن تكون أجيال الغد تواقة للتعامل مع معطياته، فإن العرب، ونتيجة لحالة الضعف التي « تعشعش» في قلوبهم، وتفرد القوة الغاشمة الصهيونية في تسيير دفة التفاعلات الإقليمية، يجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة للتعامل مع السياسة العدوانية الصهيونية، خاصة بعد طرح الليكود الصهيوني وحكومته المتطرفة برئاسة «بنيامين نتينياهو» فكرة يهودية الدولة بالإضافة إلى إصرارهم على قوننة الولاء للدولة الصهيونية. وبالتالي فإنه لا يوجد أمام العرب، وبعد أن أسقطوا خيار الجهاد والمقاومة، إلا فكرة واحدة تتمثل بالتمسك بقرار التقسيم والسعي لتحقيقه، خاصة وانه يمثل الأرضية التي تنطلق منها فكرة يهودية الدولة العبرية.لأن هذا الطرح الذي ينادي به حزب ما يسمى بــــ»إسرائيل بيتنا» بزعامة المتطرف « ليبرمان « الذي لم يمض على هجرته إلى فلسطين أكثر من 20 عاما، يهدف إلى إلغاء هوية شعب وتاريخ أرض امتدتا لآلاف السنين.
ما دام الحال العربي والفلسطيني يمثل حالة «إغراء « للطموحات الصهيونية، و ما دام» دايتون» وفكرته الأمنية قد إستطاعت تحويل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى عين ساهرة على المصالح الصهيونية، و ما زالت محاولة إنتزاع فكرة المقاومة من وجدان الشعب الفلسطيني مستمرة. وفي اللحظة التي يتيه فيها العرب في الطروحات الصهيونية ليهودية الدولة وقسم الولاء لها،- واعتمادهم في طروحاتهم تلك على وثيقة تأسيس لدولة الصهيونية بناء على اعتراف الأمم المتحدة بها عام 1948، والمبني على قرار التقسيم 1947، والذي أكد على تقسيم فلسطين إلى دولتين ، دولة يهودية بمساحة تقدر بــــــ 4,21 ألف كم2 ، و دولة عربية بمساحة تقدربـــ و,112 ألف كم2، أي ما نسبته 55% للدولة اليهودية، و 43% للدولة العربية و2% للقدس كمنطقة دولية-، . فأن أمام العرب خيار وحيد هو التشبث بقرار التقسيم للرد على الطروحات الصهيونية التي تؤكد على يهودية الدولة ووجوب قسم الولاء لها.
وإذا كان اليهود في طروحاتهم هذه يستعينون بالأمم المتحدة ، فلنستعين نحن بالأمم المتحدة نفسها ومن خلال منطوق قراراتها ذات الصلة، بدءاً بالقرار 181/1947 ،و 194/1949،و 242/1967 ، وإنتهاءً بالقرار 338/1973. والتي تؤكد جميعها على رفض الاحتلال والاغتصاب ووجوب عودة اللاجئين.
فهل أمام إسرائيل أي أمل بعد في لي ذراع التاريخ ، والافتراء عليه وعلى أحداثه؟، وهل بقي في جعبتها غير الاستمرار في اقتناص ثغرات ضعف الحائط العربي؟.
Almajali74@yahoo.com
الرأي