نلتقي في هذه الحياة بأُناسٍ كثيرين يملكون مِن الصفات ما يثير الريبة دائماً في نفوسنا ..! فلا نطمئن لكل ما يصدر عنهم مِن قول أَو فعل، فنُعِد التُهم مقدماً بحقهم بما يتماشى وما رسمته تلك الصفات في مخيلتنا، دون تحقق مِن خلفيات هذه الصفات أَو الأَبعاد التي قادتها لتكون على هذه الشاكلة ..! فالصورة النَمطيَّة الخاصة بهم هي المعيار الثابت الذي لا يقبل التغيير أَبداً (هكذا نعتقد) ..!.
ربما يقول قائل أَنَّ (الطَبع غَلَبَ التَطبُّع)، وأَنَّ هذه الصفات تملَّكت أَصحابها إِلى الدرجة التي صارت فيه جزءاً مِن شخصياتهم وحياتهم، فلَن يتمكنوا مِن الهروب منها حتَّى وإِن حاولوا ذلك ..! وأَنا لا أُنكر هذا الرأَي، ولا أُقِرُّه بشكل مُطلق؛ فالرِهان على تغيير هذه الصفات يكمُن في (الجانبِ الآخر) الذي لا نعلمه عن هذا الانسان، هذا الجانب المُصاحب لكل صفات السوء التي تكونت في عقولنا عنه ..! فلا يوجد إِنسان على وجه هذه الأَرض يتَّصف بالسوء المُطلق أَبداً، إِنما نجد فيه مساحة ما مِن نفسه لا تخلو مِن صفة الخير التي تعود به إِلى فِطرته التي فَطرَه الله عليها منذ أَن خُلق إِلى أَن يتوفاه الله ..!.
لقد كان لكل منَّا محطة أَو أَكثر في هذه الحياة، سارت به إِلى مَنحى ما يُعزز به صفة الخير الملازمة لفطرته ..! أَو مَنحى آخر يجلب له صفات السوء التي تنساب بهدوء خبيث في ثنايا صفة الخير في نفسه، فيطغى أَحدهما على الآخر إِلى الدرجة التي نرى فيها هذا الشخص مِن خلالها، فنحكم على شخصيته وفقاً لذلك ..!. و (على الأَغلب) فإِنَّ هذا المَنحى يتحكَّم في درجة ميوله صُحبة الخير أَو السوء التي تسير به إِلى حيث تتكون فيه شخصية مختلفة بشكل أَو بآخر عن تلك الشخصية التي تبلورت مع تبلور ملامح الادراك فيها؛ لتتحكم في اتجاهاته وسلوكه، فبالقدر الذي نستطيع فيه رسم منهج ما لتقويم السلوك العام لهذا الانسان، فإِننا نستطيع انتشاله مِن مستنقع السوء الذي سيغوص به إِلى الدرجة التي قد يصعب انتشاله منها في وقت ما، وقد يُقَوَّم سلوكه قبل الوصول إِلى تلك الدرجة؛ فيصير إِنساناً سوياً في مُجتمعه الذي يعيش فيه ..! ولعلَّ مِن نافلة القول أَن نقول بأَنَّ أَعتى المجرمين على وجه الأَرض، كان في يوم ما طفلاً بريئاً لا يقوى على شيء ..! ولو صادفناه في ذلك العُمر لربما حملناه وقبّلناه وأَضحكناه، ليملأَ قلوبنا فَرحةً لفَرحه، ويَرسُم على شفاهنا ضِحكةً لضِحكه ..!.
ما معنى هذا ..؟
يعني أَنَّه مِن الممكن أَن نسير باتجاه ما وفق مُخطَط عام طويل الأَمد نغوص فيه في أَعماق (الجانب الآخر) لكل إِنسان، مُخطَط نَرسُم به طريقاً لبناء القيم الانسانية التي تتوافق مع ديننا الحنيف وعاداتنا الطيبة، مُخطَط تُبنى فيه أُسرةً ومعلماً وطالباً ومجتمعاً بأَكمله، مُخطَط ينتَشِل كل إِنسان عند بداية كل مَنحى تَغَيُر سلبي في حياته، مُخطَط يُذيب كل مُكونٍ بشري مع الآخر بكل طبقاته وانتماءاته، مُخطَط يُعزز مفهوم العدالة وتكافؤ الفُرص بين أَفراده، مُخطَط يؤمِن القائمين عليه بإِمكانية التغيير في كل وقت وكل حين، مُخطَط لا هدف منه إِلَّا بناء إِنسان مُحباً لدينه ووطنه وأُمته …
هل نستطيع فعل كل هذا ..؟ الجواب : نعم نستطيع، إِن أَردنا ذلك.