تنتابني موجة من الضحك يتبعها شعور بالاسى وحوار بين نفسي ونفسي ينتهي بخروجي كالاطرش في زفة هذا العالم الذي يصعب التعامل مع واقعه وتستعصي على الافهام مفرداته , كل هذا يحدث لا شعوريا عندما اسمع الذين يتحدثون عن الشرعية وضرورة احترامها .وحتى لا افهم خطأ فانا لست ضد الشرعية واؤيد الالتزام بها في جميع مجالات الوجود الانساني , لكنني في وسط هذه الموجة الهادرة من الدعوة الى الالتزام بها ونبذ الاختلاف والشقاق الداخلي , أحاول البحث عنها جاهدا فلا اجد الا ما يثير الاستغراب وسط مجموعة من المسرحيات الهازلة التي يلعب ابطالها ادوارهم بكل تمكن واقتدار .
في فلسطين مثلا – وهي بؤرة الحديث عن الشرعية حاليا – تتبدل المواقف الى اقصى حد وتنهال المساعدات على السلطة الفلسطينية من كل حدب وصوب حتى من قبل اولمرت وبوش بدعوى الدفاع عن الشرعية وحمايتها , بينما منذ أشهر قليلة تم خنق الشعب الفلسطيني كاملا ممثلا بالرئاسة وحماس وكل الفصائل وسكان المخيمات , خنق الفلسطينيون عندما افرزت وسائل الشرعية مجلسا وطنيا منتخبا على قواعد دستورية ووزارة عبرت عن الاغلبية وخياراتها .
هذا ليس دفاعا عن حماس وعن الاحداث التي حصلت مؤخرا , لكنه تقصي لتسلسل الاحداث خلال السنتين الاخيرتين ووصف للواقع لا أكثر .
ماذا علينا أن نتذكر أن أردنا الحديث عن الشرعية في عالمنا العربي والاسلامي .
هل نتذكر اندونيسيا مثلا وتجربة حزب ماشومي الاسلامي الذي وصل الى السلطة بقرار الاغلبية واختيارها , ثم تم الالتفاف عليه مباشرة من قبل سوكارنو واقصيت أحلام الشعب الاندونيسي كلها بتدخل خارجي وعمليات تجنيس مشبوهة .
هل نتذكر الجزائر وفوز جبهة الانقاذ بما مجموعه 55% من المجالس البلدية عام 1989 , ثم فازت بنفس النسبة خلال الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية في ديسمبر عام 1991 , بعد ذلك وخلال اسبوعين لا اكثر حدث تحول كبير فتم الغاء نتائج الجولة الاولى من الانتخابات وسنت قوانين جديدة لا تتناسب والخيارات الديموقراطية وتوجهات الشعب , فغرقت البلد في فوضى عارمة من القتل والدمار كانت بمنأى عنها وعن ويلاتها , ويكفي ان نعلم ان الجزائر تدفع كل سنة فاتورة قيمتها 4 مليارات دولار من اجل تعزيز قدرات جهازها الامني الذي يقف عاجزا أمام الوضع المتفجر .
فأي شرعية هذه التي علينا أن نصدق وجودها بعد التجربة الجزائرية .
في تركيا ايضا قامت الدنيا ولم تقعد لحد الان بعد قرار عبدالله غول الترشح لمنصب الرئاسة علما بانه يمثل الحزب الحاصل على اكبر نسبة من المقاعد داخل البرلمان , خيار الشعب التركي كان واضحا لا مجال للبس فيه الا أن الجيش هدد بالتدخل ووضع البلد على شفا ازمة تاريخية قد تاكل الاخضر واليابس , هذا كله لان حزب العدالة والتنمية يعبر عن تطلعات اسلامية تمتلك من الحكمة والروية وبعد النظر ما يجعلنا نرفع قبعاتنا احتراما وتقديرا لها , تجربة حزب العدالة والتنمية قدمت خلال خمس سنوات انجازات اقتصادية انقذت الاقتصاد التركي من الهاوية التي كان حكم العلمانيين يسير بها اليها خلال حكمهم في الفترة بين عامي 1982 و 2002 , البطالة انخفضت الى ما نسبته 2% والاقتصاد نما بما نسبته 33% والدخل السنوي للفرد ارتفع من 5500 دولار الى 9000 دولار وغير ذلك الكثير , والنتيجة ما ترونه من عمليات خنق وتقزيم وتهديد عسكري دون أن يقف المدافعون عن الشرعية امامها ولو بكلمة او حتى ايماءة بسيطة , ثم يطلب منا نحن المواطنين الغلابى ان نحترم الشرعية ونصدق كلام المتشدقين بها .
يبدو أننا نعاني أزمة أعمق بكثير من كل ما توصلت اليه استنتاجاتنا في كل ما كتبنا وقرأنا منذ مئة عام وأكثر , حتى مفهوم الديموقراطية انحصر فهمه لدينا في صناديق انتخابية مغلقة واصوات يؤديها مجموعة من المغلوبين على أمرهم ترمى خياراتهم بعد ذلك في سلة المهملات أو تفرز مجالس باهتة تشكل عبئا على الشعب نفسه .
للاسف فان شرعيتنا اليوم باتت احد نوعين :
نوع مطاط يفصله العم سام على هواه وبالمقاسات التي يريدها ونوع آخر تتكرر فيه التسعات قبل و بعد الفاصلة المئوية الى ما لانهاية فتفرز زعامات اشبه ما تكون بالحتميات التاريخية التي لا يمكن الفرار منها .
دعوكم من الحديث عن الشرعية فقد اضحكتمونا وابكيتمونا في آن واحد .
samhm111@hotmail.com