الأحادية القطبية .. هل كسرها ابن سلمان بالنفط؟
حسين بني هاني
22-10-2022 07:27 PM
تدحرجت قصة تخفيض انتاج النفط، مثل كرة الثلج في الساحة الامريكية، وتناولها السياسيون ورجال الصحافة، بدعوات الويل والثبور للسعودية. واستكثرت فيها واشنطن الرسمية، ان يحافظ أحد حلفائها الرئيسيين في الشرق الأوسط، على مصالح بلاده ورفاه شعبه، عند اتخاذ ذلك القرار، وكالت لها الاتهامات اقّلها مساعدة بوتين في حربه على أوكرانيا، لان مصلحة الدولة العظمى بالنسبة لهم هي اولاً، كما سبق ان اكّدها أكثر من مرة الرئيس السابق ترامب.
قرار اوبيك شكل صدمة في البيت الأبيض، انحى فيه بايدن باللائمة على الموقف السعودي وحده، في محاولة ابتزاز مكشوفة، وكأن السعودية، هي الدولة الوحيدة المنتجة للنفط في تلك المنظمة، اصلاً سياسة واشنطن العامة، لا تؤمن في علاقاتها مع حلفائها، بحقهم في سيادة قرارهم، بل تحاول ما استطاعت، ان تفرض عليهم سياسة التابع والمتبوع، وهذا ما جعل مجلة الايكونوميست الرصينة، تتحدث عن ثورة غضب عارمة في الخليج، مما اعتبرته لهجة اميركا الساخرة منهم التي لا تتحلى بالاحترام، ونقلت عن احد المسؤولين الاماراتيين النافذين تذمره الكبير، متسائلاً باستنكار... من هو جو بايدن؟ هذه هي مواردنا، فيما قال أستاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الخالق عبد الله للمجلة ان على الديموقراطيين ان يستيقظوا ويقبلوا ان الخليج بات "مستعدا لقول لا لأمريكا". ويحضرني في هذا السياق، قول وزير أردني ليبرالي في ثمانينيات القرن الماضي، بان واشنطن وللأسف، لا تبحث في علاقاتها مع دول العالم عن أصدقاء، وانما عن اتباع تريد ان تسخّرهم لتقديم الخدمات لها فقط.
ربما تكون الضرورات الأمنية للدول، في مرحلة ما قد استدعت مثل ذلك الامر، ولكن هذا لم يعد يصح بنظر زعيم شاب، يمثل رؤية جيل جديد في العربية السعودية، ويفهم السياسة بين الدول، بانها فن الممكن، وجملة مصالح متبادلة، يضع فيها مصالح بلاده على سلم أولوياته اسوة بالولايات المتحدة، وانه لم يعد مستعداً لقبول خلطة الاعتبارات الشخصية والانتخابية لدى الرئيس بايدن، من اجل الإطاحة بمصالح الدولة السعودية، وبالتالي اغراق سوق النفط وانهيار أسعاره، تلبية لمصالح الحزب الديموقراطي.
لقد أدى تجاهل بيت بايدن الأبيض، لأمن الطاقة العالمي، ورفضه تقاسم اعباءها وتكاليفها، الى حدوث ازمة عالمية، تعود جذورها أصلا الى العام ١٩٧٩، حين نجح وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر في حينه، بالسيطرة على الاقتصاد العالمي، عبر فرض سعر موحد للنفط بالعملة الامريكية، وما تخشاه واشنطن اليوم، هو تلك الدعوة المتعاظمة لاحتساب عائدات النفط بعملات أخرى، بعد إصرار الرئيس بوتين الحصول على أثمان الطاقة الروسية بالعملة الوطنية الروبل، والإعتراف بسلة العملات العالمية، كثمن عادل للنفط في سوق التبادلات التجارية. الأمر الذي سيشجع ربما آخرين على إعتماد الخطوة الروسية، قد تكون السعودية من بينهم مستقبلاً، إذا ساءت العلاقات بين الطرفين لأي سبب من الأسباب.
يبدو ان ولي العهد السعودي، قد ضاق ذرعاً بمبادئ السياسة الأمريكية، القائمة على التدخل المباشر في شؤون الدول الحليفة، دون الأخذ بعين الإعتبار لمصالحها الوطنية، عوض اعتماد مبدأ الشراكة القائمة على حفظ مصالح البلدين، والإصرار الامريكي على أداء دور القوة العظمى، او ما يسمى بهوس (العلامة المسجلة) Trade Mark، التي تتمسك بمبدأ التابع والمتبوع، والتي عبر عنها الرئيس بوش الابن، بشكل سافر يخلو من الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول، لحظة تدمير برجي التجارة في نيويورك، حين قال بأنه من ليس معنا فهو ضدنا، وبما يشير الى فاشية صلفة، ربما ذكّرت ولي العهد السعودي مبكراً على ما يبدو، وذكرتنا معه نحن معشر العرب، بفاشية أوروبا القديمة، التي انفلتت من عقالها الديموقراطي، واحتلت معظم العالم العربي، بحجة تحريره من قبضة الدولة العثمانية.
في المقابل، يبدو ان هاجس التحكم الأمريكي المنفرد، بالاقتصاد العالمي وثروته المالية، في ظل تعاظم قدرات الصين، وتزايد نفوذها الاقتصادي، وحلفها غير المعلن مع موسكو، واقتراب الرياض وأبو ظبي منهما، قد زاد من قلق البيت الأبيض، الذي بات يرى ان ولي العهد السعودي لم تعد تعجبه النظرة الامريكية لحلفائها، التي تقوم على مبدأ تدجين العلاقات الدبلوماسية الخاصة بها، بشكل يخدم مصالحها الذاتية، دون الالتفات او حتى النظر الى مصالح هذه الدول ورفاه شعوبها. وهذا ما دفع وزير الخارجية التركي، الى رفض التهديدات الامريكية للسعودية، ووصف السياسة الامريكية تجاه الرياض اليوم، بانها تنمّر وعمل غير صائب.
لقد غلفت واشنطن، انتقادها للموقف السعودي بشأن قرار اوبيك، بكل معاني التهديد والوعيد، وبدت وكأنها تريد ان تختصر وتختزل الازمة العالمية، الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، في جزئية خفض الإنتاج النفطي السعودي، وان تجعل السعودية كبش الفداء، وتحميلها وزر استمرار حرب هي من اشعلها (واشنطن)، حين دفعت الأخيرة الرئيس الاوكراني للتشدد في موقفه مع موسكو، وكأن أو ما بدى بنظر ولي العهد السعودي، بأنه محظور على السعودية ان تتخذ أي قرار سيادي، لا يلبي المصالح الامريكية وبالتحديد الحزب الديموقراطي.
أعجب بايدن هذا الامر او لم يعجبه، فإن قرار ولي العهد السعودي، القاضي بالوقوف نداً لحماية مصالح بلاده، قد كسر ولو قليلاً أحادية واشنطن القطبية بالنفط، وغدا ابن سلمان ممثلا لأشواق الجيل الجديد من شباب الامة وقادتها، بل دغدغ مشاعرهم ورفع منسوب الثقة والتحدي لديهم، وربما يصبح الملهم لهم، للتحلل من صلف السياسة الامريكية، والحد من تسلطها وهيمنتها على مصالح الدول ومستقبل أبنائها، والداعي لإرساء قواعد لعالم جديد متعدد الأقطاب، كما هو واقع في عالم اليوم، تقوم فيه العلاقات بين الدول على الإحترام المتبادل لمصالحها، وهو الأمر الذي ستضيق به حوصلة البيت الأبيض، ولا تتمنى مؤسسات الدولة السيادية، العميقة منها وغير العميقة، أن تراه مستقبلاً، لا في رؤية السعودية لعام ٢٠٣٠ ولا حتى لعام ٢٠٥٠.