الشخص غير المرغوب فيه في ميزان القانون الدولي
د. مهند صالح الطراونة
21-10-2022 05:15 PM
إحتجاج رسمي ودولي وشعبي على التصريحات التي أدلى بها السفيرالهولندي في عمان في تغريدة نشرت له على موقعه الرسمي بتاريخ 19 أكتوبر 2022، شكلت تدخلا واضحا وصريحا في الشأن الداخلي المحلي للمملكة الأردنية الهاشمية خالفت التشريعات الداخلية وعلى رأسها الدستور الاردني في مادته الأولى بأن الدولة الأردنية هي دولة ذات سيادة ولايجوز التدخل في شؤونها الداخلية ، أيضاً خرجت التصريحات عن المحاذير القانونية التي نصت عليها قواعد القانون الدولي والإتفاقيات الدولية الخاصة في الإجراءات وأطر العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول ذات السيادة التي حددت والحقوق والحصانات الممنوحة للموظفين القنصليين ومكاتبهم، وكذلك حقوق وواجبات "الدول المستقبلة ومن ذلك على سبيل المثالا لا الحصر ما نصت عليه ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (41) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية والتي نصت على أن:"مع عدم المساس بالمزايا والحصانات على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة "وواضح أن نص المادة هنا يرتب التزام المبعوث الدبلوماسي المبعوث الدبلوماسي قوانين و انظمة الدولة المضيفة،
وتجدر الإشارة أن أي مبعوث دبلوماسي لا يمكن أن يدخل إقليم الدولة المضيفة لمباشره مهامه الرسمية وبصفته ممثلا دبلوماسيا إلا بعد اعتماده بواسطة حكومة الدولة المضيفة، وتَعنِي موافقة الدولة المضيفة تمكين المبعوث الدبلوماسي المعنى من ممارسة وظائفه الدبلوماسية على اقليم الدولة المضيفة، وتمتعه بالامتيازات والحصانات التي تفتضيها الوظيفة الدبلوماسية ، وبِرَغم ذلك يقع على عاتق المبعوث الدبلوماسي بما فيهم رئيس البعثة الدبلوماسية احترام ومراعاة قوانين وأنظمة الدولة المضيفة،وعدم التعسف في استعمال إمتيازاته وحصاناته الدبلوماسية وعدم التدخل في شئونها على النحو الوارد في النص متقدم الذكر، فإن لم يلتزم وتجاوز المحاذير القانونية التي تشكل خرقا للقواعد الدولية المنظمة لواجبات السلك السلك الدبلوماسي جاز للدولة المضيفة في ضوء ما رسخته الأعراف الدولية وقواعد القانون الدولي من مباديء خاصة في أشكال الإحتجاج الدبلومسي.
عن الشخص غير المرغوب فيه
وتتدرج أشكال الاحتجاج الدبلوماسي وفقا لطبيعة المخالفة التي تم غرتكابها قوتا وضعفا مروراً في الإحتجاج الرسمي إلى استدعاء السفراء للتشاور ووصولاً إلى خفض التمثيل الدبلوماسي،وقد إقتضى العرف الدولي أن تُعتبر خطوة إعلان السفير "شخصاً غير مرغوب فية" الخطوة الأخيرة قبل قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أو تخفيضها إلى أدنى المستويات ، نضيف أيضا أن مسالة تحديد ما اذا كان المبعوث الدبلوماسي أصبح شخصا غير مَرغوب فيه ترجع الى السلطة التقديرية لحكومة الدولة المضيفة التي تُعتبر وحدها القاضي في هذا الصدد ، فاذا أعلنت الدولة المضيفة مبعوثا دبلوماسيا شخصا غير مرغوب فيه يجوز أن تعلن عن ذلك للدولة الموفدة في جميع الأوقات ودون بيان اسباب قرارها، ويترتب على هذا الاجراء التزام خاص على الدولة الموفدة يتمثل في قيامها حسب الاقتضاء اما باستدعائه أو بأنهاء مهمته في البعثة ، وهذا واضح في نص المادة (9) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلومسية الذي نص على أن " للعلاقات الدبلوماسية على أن : للدولة المعتمد لديها في أي وقت وبدون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أي عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسي أصبح شخصا غير مقبول أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين) أصبح غير مرغوب فيه، وعلى الدولة المعتمدة أن تستدعي الشخص المعني أو تنهي أعماله لدى البعثة وفقا للظروف، ويمكن أن يصبح الشخص غير مقبول أو غير مرغوب فيه قبل أن يصل إلى أراضي الدولة المعتمد لديها فإذا رفضت الدولة المعتمدة التنفيذ أو لم تنفذ في فترة معقولة الالتزامات المفروضة عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة فللدولة المعتمد لديها أن ترفض الاعتراف للشخص المعني بوصفه عضوا في البعثة" .
بقي أن نقول اتفاقية فينا الأخرى الخاصة في العلاقات القنصلية أكدت هي الأخرى على الإجراءات المتخذه في حال اتخذ قرار من الدولة بأن شخصا ما شخصا مرغوب وهذا واضح في نص المادة (23) من الاتفاقية الذي نص على أن :" الأشخاص غير المرغوب فيه يجوز للدولة المضيفة فى كل وقت تبليغ الدولة الموفدة أن موظفا قنصليا هو شخص غير مرغوب فيه أو أن أيا من موظفي البعثة هو غير مقبول. وعلى الدولة الموفدة عندئذ، ووفقا للحالة استدعاء الشخص المعني أو إنهاء وظائفه فى البعثة القنصلي،إذا رفضت الدولة الموفدة خلال مدة معقولة تنفيذ التزاماتها المذكورة فى الفقرة الأولى من هذه المادة أو إذا لم تنفذها فللدولة المضيفة حسب الحالة أن تسحب الإجازة القنصلية من الشخص المعني أو أن تتوقف عن اعتباره موظفا من موظفي البعثة القنصلية،يمكن اعتبار من عين عضوا فى بعثة قنصلية شخصا غير مقبول قبل وصوله إلى أراضي الدولة المضيفة، أو (إذا كان موجودا فيها من قبل) قبل تسلمه وظائفه فى البعثة القنصلية وعلى الدولة الموفدة فى مثل هذه الحالة سحب التعيين إن الدولة المضيفة، فى الحالة المذكورة فى الفقرتين الأولي والثالثة من هذه المادة ليست ملزمة بإبلاغ الدولة الموفدة أسباب قرارها."
واضح من النص المتقدم انه منح الدولة المضيفة سلطة اتخذ قرار اعلان الشخص انه غير موغوب فيه قبل وصوله لإقليم وبعد وصوله وانها غير ملزمة بتسبيب قرارها ،وهذا تاكيد على مبدأ سيادة الدول.
علاقات اردنية هولندية ودية
واستكمالا للحديث ومع التسليم جدلا ووفقا لما يتم تداوله من مطالبات من الوسط القانوني بان الدولة الاردنية إزاء واقعة تصريحات رئيس البعثة الدبلوماسية لدولة هولندا الصديقة إعلان السفير بأنه شخصا غير موغوبا به ، إلا أنني أرى أن هذه المسألة فضلا أنها تخضع للعرف الدولي والذي يتطلب ان يكون هذا الجراء آخر الاجراءات وهو استخدام لا تلجأ اليه الدول في علاقاتها إلا قبل قطع العلاقات الدبلوماسية بصفة نهائية وحتى أن هذا الإجراء ويُعتبر إعلان "شخص غير مرغوب فيه" إجراءً نادراً جداً في الأعراف الدبلوماسية، لأن الدولة الأخرى ستتخذ أيضاً قراراً في نفس الاتجاه وفقاً" لمبدأ المعاملة بالمثل "وهذا مالا يتسق مع طبيعة العلاقات الودية الطيبة التي تربط المملكة الاردنية الهاشمية في دولة هولندا الصديقة والتي وصفت كما أشار اليها الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الاردنية بأنها علاقات تاريخية تعود 1951عندما قدم القائم بالأعمال الهولندي في بغداد أوراق اعتماده لدى الأردن عام1951، وافتُتحت السفارة الهولندية في عمّان في كانون الثاني 1996، بينما افتُتحت السفارة الأردنية في لاهاي في تموز 1998.ويتمتع البلدان بعلاقات ممتازة ومتطورة في جميع المجالات وعلى كل الصعد؛ سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو غيرها ، وعليه فإن واقعة التصريحات التي شكلت تدخلا سافرا في الشأن الداخلي الاردني إلا لم تنال طبية الاعلاقات الطيبة بين البلدين الصديقين ،وإن الإجراء المتخذ من قبل وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الاردنية حيال الواقعة إجراء حصيف ومهني ويتسق مع الاعراف الدولية، وفيه تؤكد الدولة الاردنية على إحترامها الدائم لقواعد القانون الدولي والاعراف الدبلوماسية الدولية واحترامها لدولة صديقة ، وسوف يبقى الاردن الغالي أنموذجا دوليا لاحترام الغير وعدم التخل في شؤونهم ووطن سلام وحريات ،ودوحة هاشمية منيعا مهابه .
Tarawneh.mohannad@yahoo.com