هذا الولدُ التائهُ فيَّ و يبحثُ عنّي ..ما زال يدخّنُ تبغًا أردأ من كلّ العمر ..وما زال يوسوسُ للفقر بأن يركبَ ألفَ حمارٍ ويغادر..ما زال يمدّ يديه إلى المستقبل كي يحلم ؛ لكنّ الواقفَ بين الحلم وأطراف النوم ؛ يذود عن المستقبل بل يزرع شيبًا في شَعر الولد التائه ..!
هذي غرفة أمّي ..أفتشها ..أبحث فيها عني ..فهنا كنتُ أغافل أمّي بالنومِ و أسرقُ (حلقومًا ) أحضره الوالدُ كي يجمعنا ليلًا و ( يحزّرُ) ..كنتُ صغيرًا في فقه الحزّيرةِ ..لكنّ أبي كان يُهرّبُ لي الحلّ ويعلنُ فوزي كي يعطيني الحلقوم الزاكي ..!
هاتان قدماي ودربٌ أطول من ألف هزيمةْ ..والولدُ الواثق يمشي يوميًّا ..يصحو في الخيمة قبل الشمس ويحمل أسفار التعليم ويركض منهارًا للمدرسة ولا أحد يشفق من مطرٍ أو من طول طريق..و الولد الواثق يرجع مشيًا ..قدمان و دربٌ أطول من ألف هزيمةْ..!!
شارعُ قريتنا الأوحدُ يشهدُ حين بدأتُ هناكَ أقود مسيراتٍ كبرى ..بل أسّستُ هناك قوانين الرفضِ وقولة (لا)..ألبس جينزي و البوط الأبيضَ ..وأصيح بجموع الناس انطلقوا ..!!
كنتُ هناك ..لماذا يتحوّلُ هذا الولدُ الواثق في غمرة ليلٍ للولد التائهِ..؟ ما زلتُ أنا ..من سرق الدرب الأوحد من أقدامي أو نوّمني ؛ بل حطّ بأقدامي تفريعاتٍ و مفارقْ..؟!
الولد التائه يبحث عنّي..و أراه ولا أتقدّم منه ولا حتّى أراسله..! الولد التائه لو عاد إليه الولدُ الواثقُ ..فليتحسسْ كل الأولادِ رؤوسهم المملوءة باللاشيء..!
(الدستور)