facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العنصرية الملبسية


علي الزعتري
19-10-2022 04:55 PM

من البداية، لا مأخذ لدي على أعراف وقواعد معيشة وسياسات الدول التي تفرضها على شعوبها والسكان عامةً. قد لا أتفقُ معها لكنني لا آخذها إلاّٰ على عِلاَّتها وهي أنها تُعَبِّرُ عن نظرةٍ هي في الغالب محصورةٌ باعتقادٍ ديني وحُكْمٍ تشريعي يُغطِّي قراراً تنفيذياً. وقد تتغير النظرة والتشريع الحكومي مع مرور الوقت ويبقى لدى المؤمنين بالقواعد التي رسمها الدين والثقافات وعند المتتبعين للنواهي والمسموحات ما يُبقيهم ملتزمين بمظهرهم. وهذه هي قصة الحجاب وقصة كل وأي مظهرٍ رمزي عقائدي.

كان الحجاب التزاماً فردياً على نطاقٍ واسع وتغير مع الزمن فصار اختياراً استثنائياً في حقبةٍ من الزمان ثم عاد شائعاً منذ ثمانينات القرن السابق ولليوم على أشكال وألوان. بعض الدول الإسلامية مثل السعودية فرضته لعقود ثم سمحت بالاختيار الشخصي بشأنه. وإيران نبذته لعقود كسياسةِ دولة أيام الشاه ثم عادت له بقوة القانون مع الخميني. في باقي البلدان العربية لم تفرضه أو تمنعه دولة ولكن ارتضته ومانعته المجتمعات وكثيرهم التزم الزي التقليدي الذي هو كالحجاب مثلما في اليمن والسودان وموريتانيا والصومال ودول الخليج وأرياف الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر وباقي الدول العربية. وفي الباكستان وإندونيسيا وماليزيا والهند حيث مئات ملايين المسلمات الحجاب ليس فرضاً بل ملبساً له معنىً دينياً، والالتزام به من عدمه في مثل هذه الدول ينبثق من رؤيةٍ شخصيةٍ بعكس الرؤية الحكومية التي تغيرت ،مثلما في السعودية مؤخرا و إيران و أفغانستان كما رأينا. و لن نغفل أن بعض البلدان العربية حاربت الحجاب بوصفه مبادرةً دينيةً سياسيةً وكان أبرز مظاهر محاربته عدم السماح للمحجبات بالعمل الحكومي والإعلامي وفي بعض الأحيان التدخل بالقوة الرعناء لمنع الحجاب في العموم. اليوم يبقى الحجاب و الهيئة الظاهرية للرجل و المرأة قراراً لا تُمليهِ حكومة بل ربما الأسرة و بالقطع الفرد و قد يكون في الأسرة الواحدة تناقضٌ واضح في المظهر و ليس لسلطةٍ من شأنٌ في ذلك.

فالناس لا تلتزم بطبيعتها إلا بما تهواهُ و تؤمن به و إن أُجبِرَتْ علي ما لا تهواه فستفعل المستحيل للتملص و الهرب منه. حتى عند الملتزمين يسري في المجتمعات ملبسٌ له أشكالٌ لا تتسق و المقتضيات الثقافية أو الدينية أو الأذواق المجتمعية لكنه الاختيار الشخصي الذي لم يعد استثناءً و الدول قلما تتدخل لفرضه و لمنعه. ففرض أو منع الملبس يؤدي لتبني الرفض له أو الإصرار عليه. و هنا تبدو الحكومات المُصِّرة علي الفرض و المنع باستخدام الدين سخيفةً للغاية في تناولها الملبس، النسوي خاصة، لأنه رمزٌ دينيٌّ من الطراز الأول و إن لم يَعْتَدَّ الشخص بهذا الرمز فلن يتقبله و إن اعتدَّ به فلن يتخلى عنه. وكذلك الحكومات التي تؤيد و تعارض سياسات دول تفرضه و تمنعه، فإن تدخلها بالتأييد، وأكثره بالمعارضة، ليس ولعاً بالحرية الشخصية للشعوب أو للمرأة بالتحديد بقدر ما هو رغبةً لتقويض نظامٍ سياسي معارض أو مقاومة شعب مُستعمَر.

تعتدي الصهيونية العالمية علي النساء الفلسطينيات المسلمات و المسيحيات المحجبات منهن و غير المحجبات و اللابسات للخوذ و السترات الإعلامية الصادَّة للرصاص، فتقتلهن عندما تريد، و تسحلهن و تضربهن و تسجنهن و تعذبهن. لا يزعج هذا حكومات العالم كثيراً. ولا أحد بفلسطين يفرضُ الحجاب أو غطاء الرأس علي الفلسطينيات، لكن هناك في الصهيونية و كيانها العنصري المارق من الفئات من يفرض ما هو لاهوتٌ مُغْرِقٌ في الإذلال لكينونة المرأة علي اليهوديات، و من المؤسسات بأنواعها الرسمية وغير الرسمية من يفرضُ التعامل مع الفلسطينيات بموجب تعاليمَ مُغرِقةً في العنصرية و يدفع دفعاً نحو طبيعيةِ الإيمان لدى العنصريين الصهاينة بكون الفلسطينيات عدواتٍ للصهيونية منذ الولادة و يشجع الصهيونيين ذكورا و إناثا لارتكاب القبائح بحق هؤلاء الفلسطينيات دون تردد، كن ملتزماتٍ بالحجاب أم لا، و من دون خوفٍ من قانون لأن القانون الصهيوني عنصري و يحميهم. و لا أحد في الغرب المنفتح يناضل ليحمي الفلسطينيات أو ينتقد اليهوديات المتدينات باختيارهن ولا من عصابات المستوطنين اللواتي يمارسن ضد الفلسطينيين، بقوة و حماية الجيش والشرطة و بقناعةٍ دينيةٍ متشبثةٍ بالعنصرية، أنواعاً من المهانة و التحريض، و قد رأينا هذا مراراً. لا يثير هذا لدى العالم "الحر" رداً يضاهي غضبته ضد الحجاب في إيران الذي بات يُمَثِّلُ رمزاً و لو غير ذي قيمة بين من مع إيران و من ليس معها.

كما لم تثرْ ثائرةُ العالم "الحر" علي سياسيين حزبيين أوروبيين دعوا في حملاتهم الانتخابية لطرد المسلمين و منع الحجاب وتقييد المساجد ودعم حرق المصحف، و آزروا التهكم بالرسومات علي الرموز والشخصيات الإسلامية وحتى المسيحية بل و تمادى البعض عندهم ليصف السيدة العذراء بأوصاف مسيئة و كذلك السيد المسيح عليهما السلام. كانت ردة الفعل الوحيدة لديهم هي الدفاع عن حرية هؤلاء في بث الإهانة لهذه الرموز و اعتبار الهجمات السياسية الحزبية مبررةً من باب الحرية السياسية الممنوحة للأحزاب و حرية التعبير عن النفس الممنوحة للأشخاص. فإن هذه الدول لا تخشى من ممارسةِ قمعٍ قانوني و إعلاميٍّ لعاداتٍ ترمز للدين بين المسلمين معتبرين الملبس، مُختصراً بالحجاب، نوعاً من تعبيد و قهر المرأة. و ينسون أنهم ببلادهم الحرة، و ببلادنا كذلك و لو بشكلٍ محدود، للمرأة أن تشكو علي من يقهرها بأي شكلٍ من الأشكال. و أن عندهم بالذات هناك للمرأةِ نصيبٌ كبير من رفض ما قد يُملى عليها فإن هي اختارت الحجاب أو رفضته فالتوقع هو أنها فعلت ذلك بملء إرادتها و يؤيدها في ذلك قانون وحرية تعبير عن النفس. فلماذا الضغط و التجريم لها إن لبسته في فرنسا مثلاً بمؤسسةٍ حكومية أو تعليمية و هي تمارس حقها الحر؟ يبدو سخيفاً و ممالئاً للنظام الحاكم في هذا العالم "الحر" أن يتخذ مواقف تضعه في تضاربٍ مع ما يشيعه من حريات ممنوحة بداخله و ما يريده عندنا. لكنه الواقع المتغطرس الذي يقبل و يمنع و يعفو و يتهم حسبما يريد فإن قتلتْ الصهيونية شيرين أبو عاقلة فالصهيونية مُبرَّئة و إن توفت الشابة الإيرانية مهسا أميني فإيران مذنبة و سيجتمع العالم"الحر" ليعاقبها بينما يتناسى دم شيرين بالتدريج.

يزداد الأمر سوءاً عندما تفرض الدولة بالقوة كما في إيران مظهراً لا تقبله مجاميع كبيرة من الناس. و هو في رأيي أمرٌ لا يقل ضعفاً في جوهره عن محاولة منع ذات المظهر في أوروبا. لكن العالم "الحر" لا يرى في الإيرانيات إلا من لا يردن الحجاب و ينسى و يتغاضى عمن يلبسنه اختياراً في إيران. و في هذين الموقفين من إيران و من العالم "الحر"، بأن يجعلا من قائمة همومهما المشتركة الطويلة ما علي رأس المرأة الإيرانية من رداء، هو استخفافٌ بالعقول. والحقيقة التي يعلمها الجميع أنه ليس إلا ذريعةً من عشراتِ الذرائع التي ينميها العالم "الحر" ضد إيران وضد من يجرؤ علي ممانعته. و لو كانت إيران منصاعةً له في السياسات لما اهتم بهذه المرأة الإيرانية و ما تلبس أو تحب. و لإيران الحكومة فهي علي حق كما تقول دائماً أن تنتفض لتقمع ما تراه حركة تقويض فهي سلطة عقائدية و إن تناست أن للناس أهواء يجب أن تحترم دون ابتذال و عنف و هو التصرف الذي أشعل غضب الإيرانيين عندما أُهينت الشابة مهسا ثم توفت، غدراً بنظر الثائرين و لمرضٍ كما قالت الحكومة، لكن قصتها لخصت ثاراتٍ مجتمعيةٍ متراكبة كان علي السلطة أن تعالجها بالحسنى.

لو كان هذا العالم حُرَّاً لوقفَ مع الفلسطينيات. لكن الحرية في العالم "الحر" نسبية و منحازةً إنحياز السياسيين و المصالح. فنحن في نظر جوزيب بوريل الوحدوي الأوروبي مُفْتَرِسونَ في أدغال نهدد الآمنين في البستان الاوروبي الحر وحريٌّ به لذلك أن يمنعنا و رموزنا من تهديد بستانه. هذا هو منطقُ العالم "الحر" و نظرته المتماهية مع العنصرية الصهيونية التي ترى أنها من عقر هذا البستان "الحر" و من بِذارهِ وهم يرونها كذلك. لا عزاء لشيرين فهي من عالم المفترسين و لا عزاء لمهسا أيضاً فهي لم تكن إلا طريدةً لقسوةٍ من الداخل و نفاقاً من الخارج "الحر".

ali.alzatari@gmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :