التشكيك باستفتاء الأقاليم لمصلحة من؟
د.حسام العتوم
19-10-2022 11:00 AM
خمسون دولة غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ تاريخ 24 شباط 2022 تقارع روسيا الاتحادية فوق الأراضي الأوكرانية غربًا وشرقًا وبأحدث الأسلحة وفاتورة مليارية دولارية مرتفعة وصلت حتى الساعة إلى حوالي 20 مليار دولار من بينها أموال سوداء ليس لإعادة البناء وإنما لنشر مزيد من الخراب ولِنَخر هيبة المنظومة والمؤسسة الروسية السياسية والاقتصادية والعسكرية الناهضة والتي تمثل دولة عظمى وقطبًا دوليَا وميزانَا وقائدَا لعالم الأقطاب المتعددة القادر على مواجهة تغول القطب الواحد المسيطر على مساحات واسعة من أركان العالم، وتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الثانية وبرقم مرتفع، وهو الذي قوبل بفيتو روسي وصيني في المرة الأولى في مجلس الأمن بخصوص ضم إقليم (القرم) سيتكرر في المرة الثانية في موضوع ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة (لوجانسك، ودونباس، وزباروجا، وخيرسون) بسبب تحولهن جميعن لصفوف السيادة الروسية – الخط الأحمر بالنسبة لروسيا الاتحادية وقصر الكرملين الرئاسي في موسكو. ومثلما يخطط الغرب لإحباط النصر الروسي القادم الأكيد عن طريق العبث بالورقة الأوكرانية المجاورة لهم، تجد روسيا نفسها أمام تحدٍ عسكري واقتصادي كبير يجعل من تقدمها بطيئًا ويراوح المكان، لكن ملامح النصر الروسي ملاحظًا وبسهولة، ولدى روسيا جيشًا عملاقًا على مستوى السلاح المدرع والصاروخي والجوي، ولا أتحدث هنا عن القدرات فوق النووية العسكرية الخارقة التي تمتلك جاهزية التصدي لأي هجوم غربي نووي مباغت، وهي أي روسيا لن تبدأ حربًا نووية إن لم يعتد نوويًا على سيادتها، وهذه هي عقيدتها العصرية الأخلاقية.
وفي المقابل يحلو للبعض التشكيك بنزاهة الاستفتاءات الشعبية التي أجريت في الأقاليم الخمسة الأوكرانية المحررة (القرم، ولوجانسك، والدونباس ، وزاباروجا، وخيرسون) باستثناء بعض الجيوب هنا وهناك والبالغ مساحتها 19,4 % من مساحة أوكرانيا، وبلغت نسبة التصويت فيهن على التوالي (87 % في دونيتسك، و 84 % في لوجانسك، و63 % في خيرسون، و 66 % في زاباروجا) وبلغت نسبة السيطرة الروسية حوالي 88 % في كافة الأقاليم، وهو أمر طبيعي في زمن طالت فيها العملية العسكرية الروسية التحريرية الاستباقية غير الاحتلالية عن قصد من طرف الغرب وتم تحويلها لحرب بلا نهاية هدفها كما ذكرت هنا إفشال النصر الروسي واستنزاف روسيا، وهو الذي لن يكون، وروسيا كما أعرف وأراقب وأتابع ماضية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهي غير آبهة بمخططات الغرب وتتابعها بدقة ذات الوقت، وسيأتي يوم للتفاوض والحوار إلى جانب الاعتراف بالأمر الواقع وبالخطوط الأخيرة التحريرية الروسية، ولن تتراجع روسيا عن شبر واحد حرر خدمة لأمن سكان الأقاليم ولأمنها وسيادتها، وبهدف ابعاد مطامع الغرب الأمريكي عن أوكرانيا كاملة، ولا مطامع احتلالية لروسيا في أوكرانيا كما يشاع وإنما تلبية لنداء الأقاليم للتخلص من الهيمنة الغربية، ولنداء روسيا في اجهاض مؤامرة الغرب الذي يدعي الحزن على أوكرانيا وعلى نظامها السياسي المحسوب على التيار البنديري المتطرف الذي تتقدمه فصائل (أزوف) المشابهة في التطرف والعداء، وهو الغرب الذي أصبح يشبه المحامي الفاشل لقضية عادلة، وعودة للإستفتاءات الشعبية في الأقاليم الأوكرانية التي نفذت برعاية روسية ودولية قل نظيرها وأوضح لكم الآتي وبحياد.
لم أقترب بعد من كتاب المؤلف الروسي ألكسندر شيروكوراد بعنوان "أوكرانيا – الحرب والسلام" والذي أصبح بحوزتي وهو باللغة الروسية، وفي القريب العاجل سوف أطلعكم على مضامينه، وبالمناسبة الكتب المتحدثة عن العملية العسكرية الروسية الحرب الغربية تكاد أن تكون نادرة، وعودة على استفتاءات الأقاليم الذي لعبت مؤسسة "فاغنر" الروسية الأمنية دورًا في حفظ أمنها، وأجريت تحت رقابة دولية واسعة غير متوقعة في زمن الحرب التي ستحسمها "الكاتيوشا، وللسوخوي ، وصواريخ كاليبرا، والمدرعات"، وليس أسلحة الغرب غير القادرة على استخدامها لدرجة بدأ فيها الغرب بتدريبهم على استخدامها في داخل العاصمة البريطانية (لندن)، واستفتاءات الأقاليم التي انتهت بتاريخ 27 سبتمبر 2022 جرت بنزاهة كبيرة ولم يشك أحد من عدم نزاهتها أو إجباره للتصويت قسرًا وتحت حراب السلاح، وشبكة الدول التي شاركت في الرقابة هي (ألمانيا، مصر، فرنسا، سلوفاكيا، كاميرون، إيطاليا، جنوب أفريقيا، أمريكا)، وبلغت نسبة التصويت عالية جدًا وغير متوقعة، ولو صوتت الاًقاليم لصالح غرب اًوكرانيا، وكذلك الاًمر لو صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة سرًا كما طلبت روسيا الاتحادية لكان الاًمر مختلفًا بالنسبة لغرب أوكرانيا وللغرب الأمريكي قاطبة، لكنهم يتجاهلون القانون الدولي ويكيلون اتهامات الاحتلال على روسيا ويدعون عدم معرفة القيادة الروسية بالقانون الدولي وهو هراء وسراب، وكأن روسيا محتاجة لمزيد من الجغرافيا ومساحتها تقارب الـ 18 مليون كيلو مترًا مربعًا، وسبق لها في تاريخها العميق المعاصر أن تخلت عن اقليم "الاسكا" في زمن القياصرة، واعتبرته بيع وشراء، وبأنها غير محتاجة للخوض في موضوعه رغم اهميته الاقتصادية والعسكرية والجيو استراتيجية.
والملاحظ الآن بأن خارطة الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت على شكل عملية عسكرية محدودة بدأت تتوسع فقط لأن الغرب يريد لها ذلك وحساباته في داخلها ذات علاقة مباشرة بالحرب الباردة التي تريد لها أن تستمر، وكذلك سباق التسلح الباهظ والمكلف وعلي نفقة شعوب العالم شرقا وغربا، والأدهى من ذلك هو أن القيادة الأمريكية التي كانت تزور موسكو ومنهم مثل دونالد ترمب عمل بصفة رجل أعمال فيها، وقادة أوروبيون مثل شولتس وماكرون، وكانوا يوزعون الابتسامات داخل روسيا هم أنفسهم الذين يحرضون على روسيا ويحاربونها، وكذلك الأمر الرئيس جو بايدن الذي التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف أكثر من مرة، ووصفت لقاءاته بالمثمرة هو من يقود العداء لروسيا، والغرب مجتمعًا لا يريد لروسيا التقدم لكن روسيا مهمة للروس أنفسهم، وهو ما ورد على لسان الرئيس بوتين في خطابه الرسمي في قصر الكرملين الرئاسي في العاصمة موسكو وقوبل بتصفيق حار من قبل كبار قادة وساسة روسيا وقتها، وجبهة روسية عسكرية – بيلاروسية تم تشكيلها حديثا لصد أية اعتداء غرب أوكراني وغرب أمريكي على بيلاروسيا وعلى روسيا نفسها، وهو مؤشر على أن وزارة الدفاع الروسية تعمل بحكمة وتروي وتحسب الأهداف العسكرية بدقة متناهية، وتعمل في ذات الوقت على تغيير القيادات العسكرية الميدانية للحصول على نتائج أفضل، واستنزاف غربي أمريكي لسلاحة الحديث وأمواله الكبيرة خدمة لحربهم السرابية مع روسيا عبر الأراضي الأوكرانية، وهو ملاحظ.