خاطرة تجسد حال الأسرى ومعاناتهم
م. بيسان دياب
17-10-2022 10:00 PM
في زنزانة الألم والشوق
الجو هنا عاصف، البرد قارس ينخرُ في عظامي
ولا معطفاً يدفئني، لا حرارة قادرة على إذابة الجليد الذي في داخلي ولا برداً يهّم على إطفاء اشواقي.
شوقي لبيتي وانا ارقد على وسائدي النظيفة، احتضن أطفالي، أُقبلُ يدا أمي كل لحظة، وأشعر بقوة أبي خلفي وسنده، الضجيج لدى حواسي غائبٌ ولا صوت لي، لا اقتباس يصفُ حالي ولا لغة تصنع كلمة لتجاري ما أكابد وأعاني.
زنزانة الموت :
في منزلي هذا أو ربما منزل الشرفاء، لا شيء يشبه الحياة، كل بواعث الموت تستقطب المكان ، تأسر روحي فوق أسري الجسدي ، اتقلب علي يميني وعلى يساري وأنا راقد على سرير الموت ، كي لا اموت.
أخشى من أَنْ تَتخثر قَدمايَ من طول الوقوف ، وأخشى أن يصيبني الذعر من الظلمة أخشى التسممُ ، ربما قَد شربت من ذلك الإناء كثيراً قد كانت المياه ليست بشفافة ، لربما أتاني الإناء من عصارة النفايات.
انا صاحب الصوت الخافت، الذي لا ينطق إلا تحت المستوى المعياري للإصغاء، انا الأسير الذي اركن على ما تبقى من حواسي لإيصال صوتي ولا من سامع له.
احتضن جسدي وأمسح على رأسي بنفسي، بللت اطرافي ماءً لا يطفئ حرارتي التي اصابتني ذات يوم.
قد قامت أمي بهذا العمل مراراً في الأمس خشية أن يتأثر جسدي بالحُمى لكنني الان على مشارف الموت.
في زنزانة الخيبة:
في بداية أسري، عددت الليالي ليلة بعد ليلة.
ثم فاتتني الأضحوكة ، فأدركت كمَّ النذالة الواهية في إدارة السجناء، وان الليلة التي تمضي لا تُعدِّي الليالي المنتظرة بعدها ثم غدوت متقبلا فكرة المؤبد والمؤقت او الإعدام او المشنقة، لا اكترث الغم في هذا.
انا هنا بأرادة قولي العقلية والبدنية، انا هنا من أجل الوطن.
الوطن الذي لا يجازى إِلا بحط الروح على الأرض.
الوطن الذي قيل أنه سلام ، ولا شيء فيه يشبه السلام.
تهون الروح دفعاً للظلام طلباً لما فقد من السلام في وطن السلام الذي ما رأى السلام يوما.
زنزانة الأمل:
ستشرق شمس الغد:
انا طبيب نفسي الأصم، ومطرب نفسي الأبكم، الذي لا صوت له، ادندن بنغمات خفية استشعر الونس من حولي في هذه الوحشة اللعينة.
أصبحت ماهراً في إدارة وقتي هنا، ساعةٍ انام وساعة أصحو وأكرر هذا على مدار اليوم، قد جعل مني الأسر بارعاً في كلٍ شيء عدا الطيران.
الذي ما نالني بعد، بدأت انخرط بين الجدران الأربعة القاتمة، انا هنا متنكر للذاكرة ولا قلق يثير أفكاري ، واقعي هذا ووطني هنا
فرسمت على الجدران بضعة خطوط ، ربما توحي إلى الحياة او الحرية انارت عتمة المكان أصبحت اتشبت في الأشياء التي تشبهني هنا ، انا اعشق هذا المكان.
هذا المكان الذي افنيت فيه عمراً لا يعد ، وليس بمعدود وسوف لا يعد.
سأكتب على الجدران أيضا، عندما يتاح لي بعض الموارد التي تعتصر مني دمي كلمات عن الوطن.
ترسم املاً الأجيال بحق العودة.
تلقي نظرةً عن ماضٍ خاصه الشرفاء حياً بكرامة.
وَتكتب قصتي هذهِ، كَيف للشَّريف أَنْ يموتَ وهُو حَياً.